عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
لمّ العلم؟!

لمّ العلم؟!

دائمًا كنا نكتب ونقرأ في العديد والعديد من المؤلفات عبارة لم الفلسفة، ولماذا ندرسها، وما الفائدة المرجوة من دراستها.



لكن في هذا المقال سيكون الأمر مختلفا بعض الشيء! فسؤالي هو لمَ العلم، لماذا نتعلم، ولماذا حثنا الله تعالى وسائر الأنبياء على العلم، وكذلك السلف الصالح رضوان الله تعالى عنهم، منهم من قال مع القلم والمحبرة إلى المقبرة.

 

العلم بأنواعه كافة، سواء العلوم الدنيوية، أو العلوم الشرعية.

 

ليس هذا وحسب بل العلم بمعناه الواسع، الذي يتمثل في كل ما يستطيع الإنسان معرفته وتحصيله، ويكون ذلك بمثابة خبرات حياتية يمارس بها نشاطاته في تعاملاته مع بني جلدته.

 

أو بمعناه الضيق المتخصص كأن يتخصص الإنسان في العلوم النظرية فيدرس الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ، وغيرها.

 

أو يبرع في تعلم العلوم العملية كالطب والهندسة والموسيقى وفنون العمارة والزخارف وخلافها.

 

أو أن يتميز في دراسة العلوم الشرعية كأن يبرع في دراسة القرآن الكريم وعلومه وعلم القراءات، أو علوم الحديث وعلوم الفقه وأصوله، وهذا ما انتهجته مؤسسة الأزهر، جامعًا وجامعة، بالجمع بين كل هذه العلوم الدنيوية والشرعية، فبالإضافة إلى الكليات التي تدرس علوم الدين ككلية الدعوة وكلية الدراسات الإسلامية، هناك كليات الترجمة، التي استفدنا منها أيما استفادة، فتم إنشاء مركز الترجمة بجامعة الأزهر الذي يتولى ترجمة التراث الفكري إلى معظم لغات العالم، فضلا على ترجمة كتب الفقه والحديث، وترجمة معاني القرآن الكريم، وهناك كليات تدرس الطب والهندسة والعمارة.

 

فتعريف العلم لم يصبح مقصورًا على العلوم التجريبية أو الفيزيائية التي تقوم على التجربة والتي تعتمد في استخلاص نتائجها وصياغتها على الرياضيات كما ذهب إلى ذلك الدكتور يحيى هويدي، في كتابه، مقدمة في الفلسفة العامة، صفحة 47 و48.

 

هل علمتم أن أمة تقدمت وانطلقت إلى الأمام وأسست دعائمها على الجهل والتخلف والرجعية؟

 

لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون هناك نماء وتنمية وبناء ونحن نعيش في ظلمات الجهالة، فإن ذلك يقودنا إلى العود القهقرى إلى الخلف ولن نواكب الركب الحضاري والتقدم التقني الحديث والتحول إلى الرقمنة، لغة العصر، لا يمكن بحال من الأحوال أن نتقدم ونحن نعتمد على غيرنا ليفكر لنا ولينتج لنا فالذي أنتج الروبوتات ووسائل التقنية الحديثة هو الإنسان لأنه أبدع وأعمل عقله وتعلم، وعقله مثل عقلك تمامًا، فالعقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس مثلما قال رينيه ديكارت، لكن الفارق هو الذكاء وكيفية توظيف هذا العقل، وهذا سبب رئيس في نهضة الغرب وتقدمه في المجالات كافة والعلوم الحديثة كافة، وظفوا عقولهم توظيفًا صحيحًا مدعومين بتوفير الإمكانيات اللازمة لذلك، لأنهم علموا قيمة العلم وأنه به ترقى الأمم وترتقي.

 

أما نحن فقد وظفنا عقولنا توظيفا خاطئًا سعينا خلف مآربنا الشخصية من مأكل ومشرب وملبس وتركنا الأساس المهم العلم، وضربنا به عرض الحائط بسلبية غريبة متمثلين هذه العبارة التعيسة، ولماذا نتعلم؟! يا أخي نتعلم حتى على الأقل لننمي ذواتنا الفكرية، يا سيدي الفاضل نتعلم لنعلم ويتعلم منا الآخرون، ألم تصلنا علوم السابقين، ألم يكن الرازي الطبيب عالمًا، ألم يكن جابر بن حيان عالمًا، ألم يكن المقدسي عالمًا، ألم يكن الزهراوي الأندلسي عالمًا طبيبًا بارعًا، ألم يكن ابن سينا عالمًا جامعًا لجوامع العلوم؟ وقس على ذلك كل العلماء والفلاسفة والأدباء كل في مجاله، هل قال هؤلاء لماذا نتعلم، لا والله، والنتيجة ازدانت الحضارة العربية والإسلامية بهم وعلومهم ملأت الأرض وفكرهم ظل وسيظل ينهل منه الجميع.

 

هذا منهجي لا أطلق الأحكام على عواهنها، ولا أعمم، وإنما أقول ليس الجميع بهذه السلبية، فهناك من يسعى سعيًا حثيثًا للتعلم والإبداع بأقل الإمكانيات، فهناك من يعمل عملًا شاقًا ليقتات منه ولينفق منه على البحث العلمي، وهناك من يبيع ممتلكات له للسفر في إرساليات علمية ليستزيد علمًا، حبًا للعلم والمعرفة والدراسة، وهناك من يضع نصب عينيه أن العلم وطلبه والسعي إليه فرض عين عليه ويؤمن بمقولة كلما ازددنا علمًا ازددنا جهلًا، ومن ثم يسعى للاستزادة والتحصيل.

 

يا أهل بلدي الحبيب، يا كل العرب إن نهضتنا الشاملة المستدامة لن تتحقق إلا بالعلم المصحوب بالإيمان، المصاحب بالخلق القويم، أخلاقيات البحث العلمي.

 

يا سادة بالعلم تبنى الأمم وتقوم وتنهض وتزدهر وتواكب ركب المدنية الحديثة، لا بالتقليد الأعمى وإنما ببناء شخصية جادة تدرك قيمة العلم، وتعي دعوة الله للعلم، إنما يخشى الله من عباده العلماء، وتعي تكريم الله تعالى للعلماء، يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات. نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم.

 

والنبي الذين أمرنا بالعلم، اطلبوا العلم ولو في الصين، اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد، العلماء ورثة الأنبياء.

 

حثوا أنفسكم على العلم النافع، علموا أولادكم واهتموا بتربيتهم علميًا وأخلاقيًا، علموهم العلوم الحكمية والنظرية والشرعية.

 

هذا هو الميراث الحقيقي الذي ينبغي أن يورث فالمال يفنى والشهرة تزول والجاه والسلطان والمناصب إلى زوال، أما العلم فهو الذي يبقى وينفع الناس، فأما الزبد فيذهب جفاءً، وأما ما يتفع الناس فيمكث في الأرض.

 

ولا تقنطوا ولا تيأسوا ولا تقولوا العلم لا يسمن ولا يغني من جوع، العلماء فقراء لا يجدون ما يقتاتون به، وفلان لاعب الكرة، وفلان الممثل، وفلان كذا وكذا يأخذون ملايين الجنيهات.

 

لا وألف لا، كل ذلك إلى زوال ورب محمد- ﷺ- كل ذلك سيندثر مع مرور الزمن وسيصبح ذكرى بئيسة، أما أنتم أهل العلم فستخلد أسماؤكم وستكتب بحروف من نور، لأنكم علماء ملأتم الأرض بعلومكم وبما قدمتموه للإنسانية من علم أنار الكون.

 

ألم يكفكم تكريم الله لكم، ألم يكفكم مؤلفاتكم التي مهما مر عليها الوقت ستمتد إليها أيادي تلاميذكم لينهلوا منها، مثلما نمد أيدينا إلى مؤلفات أسلافنا ونأخذ العلم عنهم ونترحم عليهم وندعو الله لهم بالمغفرة لما قدموه لنا من علم نافع.

 

هل علمتم يا سيداتي وسادتي وأهل محبتي لمَ العلم؟!

 

لا تقرءوا مقالي هذا وتتركوه هملًا، ولكن حللوه جيدًا وزِنوه بميزان العقل، واستفتوا قلوبكم عليه.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز