عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

بيوت الأكواخ التقليدية لدى شعوب البمبارا والديولا

د. إسماعيل حامد
د. إسماعيل حامد

ذاع في غرب إفريقيا منذ القدم طراز العمارة المعروف بـ"بيوت الأكواخ"، وعرف هذا الطراز المعماري البسيط والتقليدي منذ وقت طويل بين السكان المحليين، وهو طراز منتشر ومعروف في هذه البلاد حتى يومنا هذا. وتصف المصادرُ التي تؤرخ إلى حوالي حقبة القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلاد بعض المدن في غرب إفريقيا بأنها تتكون من العديد من القرى الصغيرة، وكانت بيوت السكان مشيدة في شكل الأكواخ البسيطة والمغطاة بالطين. 



كان طراز الأكواخ التقليدية يشكل في الغالب البيوت الخاصة بطبقة الفقراء من السكان القاطنين في تلك المدن الإفريقية، بينما كان الأثرياء يسكنون في بيوت يبدو عليها ملامح الثراء. ولعل من أبرز المدن الثرية التي اشتهرت بتلك الطرز بحسب المصادر لاسيما تلك التي ترجع للقرن 10هـ/القرن 16م، في كل من جني وولاتة (ايولاتن)، وهما المدينتان اللتان أبرز الرحالة الوزان وجود ذلك الطراز المعماري البسيط، وكانت تلك الأكواخ الطينية مغطاة بالقش. 

 

وكان "القش" يستخدم لتسقيف المباني، أو لعمل السقوف في بعض البيوت المتواضعة، لاسيما تلك التي تبنى في هيئة الكهوف، على غرار البيوت التي سكن بها شعب البمبارا People of Bambara، وكذلك شعب الديولا Dyula، وهم من الشعوب التي كانت قد استقرت إلى الجنوب من مجرى نهر النيجر، وكذلك غيرهما من القبائل. ويُعد "البمبارا" من الشعوب القديمة التي سكنت منطقة غرب إفريقيا، ويزعم هؤلاء البمبار أن "الصيادين" كانوا من أوائل المخلوقات التي خلقها الإله الخالق. ويعيش البمبارا في مالي حاليا، واشتهروا بعبادة الأوثان والأرواح. وهم من فروع الماندي (وهم الشعوب التي تتحدث لغة الماندي)، أو الماندنغو. أما الديولا، فهم من فروع شعب السوننك  وهذا الشعب اشتهر بالتجارة، وتحولوا للإسلام منذ حوالي القرن 2 الهجري/القرن 8 الميلادي. 

 

ويعتقد أن تسمية الديولا تعني "تجار المسلمين" (بحسب الماندنغو). ولقد تأثرت المملكة الإفريقية القديمة المعروفة باسم مملكة ديارا Diara التي تأسست في غانة بالتجار المسلمين الذين اشتهروا بالديولا، منذ بواكير القرن 8م (القرن الأول الهجري).

 

 وأطلق العرب على الديولا: الونجارة (الونقارا) Wangara، الذين اشتهروا بتجار الذهب. ومن ناحية أخرى، يصف الوزان بيوت جني وحتى التي كان يسكن بها الملك والأمراء، وكبار رجال الدولة بقوله: "ولاتوجد هنا مدينة ولا قصر، وكل ما هنالك قرية كبيرة يسكنها الملك والفقهاء والعلماء والباعة والوجهاء من الناس، وكل البيوت التي يسكنها هؤلاء الناس هي كالأكواخ، مطلية بالطين، ومغطاة بالقش". 

 

 

ويبدو ذلك وصفًا واضحًا يشير لمدى بساطة هذا البناء من البيوت، وحتى ماكان منها للملوك والأمراء وكبار رجال مدينة جني في ذلك الوقت. وعلى أية حال، كانت البيوت التي تشيد على هيئة هذا الطراز البسيط، عبارة عن أكواخ ذات شكل مستدير، وكان عمال البناء يقومون بعمل سقوف لتلك البيوت من مادة القش. وكان من أبرز المدن في غرب إفريقيا والتي كانت تتكون قراها الصغيرة من هذا الشكل في العمارة التقليدية البسيطة ولاتة (ايولاتن)، التي تقع في آراضي مالي حاليا، وتقع "ايولاتن" على مسافة تبلغ حوالي 500 ميل من تمبكتو. 

 

وتصف المصادر مدينة ولاتة (ايولاتن) القديمة بأنها كانت بمثابة "مملكة صغيرة"، وهو ما يشير إلى أنها لم تكن مجرد مدينة فحسب خلال القرن 10هـ/16م، يقول الوزان: "هذه مملكة صغيرة ذات وضع هزيل بالقياس للمالك الزنجية الأخرى، فهي لاتحوي في الواقع من الأمكنة المأهولة سوى ثلاث قرى، وأكواخ مبعثرة بين بعض حدائق النخيل". ومن ناحية أخرى، انتشر طراز البيوت التقليدية في هيئة الأكواخ في مدينة "تمبكتو" هي الأخرى، ومن ثم ذاع هذا الطراز من البيوت في هذه المنطقة، ويتضح ذلك من خلال ما ورد في ثنايا روايات المصادر الكلاسيكية التي ترجع إلى حوالي حقبة القرن العاشر الهجري/القرن السادس عشر الميلادي. 

 

وتبدو شهرة مدينة تمبكتو القديمة على هذا النحو اللافت أكثر من غيرها من مدن غرب إفريقيا، ولاشك أن ذلك كان بفضل مكانتها التاريخية في تلك المنطقة من ناحية، وبفضل ثراء تمبكتو اللافت من شتى أنماط التراث الإفريقي القديم من ناحية أخرى. وعن وجود هذا النوع من البيوت التقليدية ذات طراز الأكواخ، يقول الوزان (ليو الإفريقي) في روايته المهمة عن بيوت تمبكتو: "وبيوت تمبكتو هي أكواخ مصنوعة من أعمدة مطلية بالطين..".

 

متخصص في التاريخ والتراث الإفريقي

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز