الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

د. إيمان ضاهر تكتب: في حب صاحبة الجلالة لغتي العربية

د. إيمان ضاهر
د. إيمان ضاهر

أستهل مقالتي على أنغام خالدة للموسيقار سيد مكاوي، رحمه الله، كم أكرم لغته بكلمات تناسب عظمة شأنها فى"الأرض بتتكلم عربي، الأرض.. الأرض.. وقول الله ا الفجر لمن صلاه.. الأرض بتتكلم عربي.. الأرض.. الأرض.. ومن حطين.. رد على قدس فلسطين.. الأرض بتتكلم عربي.. الأرض.. الأرض.. أصلك ميه ..وأصلك طين.. بوجد وشوق.. الفرع إللي يهم لفوق.. لأجل الجذر يشم الضوء.. الأرض.. الأرض.. الأرض.. واصل من السيل المجتاح.. فتحك يا عبد الفتاح.. الأرض بتتكلم عربي.. 

وما معنى الأرض بتتكلم عربي؟

الأرض أم لا تموت، وما يشكل أمة هو حب الأرض بلغتها وتعابيرها، تحيا بإنجازات عظيمة لنحافظ على إرث ماضيها، بذرة الوفاء والانتماء إلى لغة الأم والدين معًا، بثروة لغة إبداعية بركة الرزق والعطاء في الحاضر، والرغبة القادرة على التألق وفعل المزيد في المستقبل القريب.

 

أليست لغتي مشاعر ومعاني وجواهر؟

يجيبنا على سؤالي أكبر شعراء العروبة وأعظم من أتحف اللغة العربية بمعان مبتكرة وحكم وفلسفة بليغة نادرة: "إذا كانت لغتي تجعلني شاعراً، فإن قلبي قلب ملك.. لغتي فكر تشتعل بقوة، ودموع تنهمر بغزارة في حبها، هي عيوني وقد صارعتها روحي الملتهبة بحبها".

 

ومازالت قصائده الـ 326 ترن بأذاننا لحن الخلود، لصائغ الحكمة والقافية العربية الثرية التي لن تتكرر أبداً، ومازالت تلهم مدرسينا وأدابنا.

 

وأتحدث هنا عن أبو الطيب المتنبي.

 

لغتي وآمتي، هل تتجزأ، هل تنقسم، أليست صوراً تجسم فكر الإنسان؟

لغتي، لهجات ومفردات ومصطلحات، بيانات وصور وخطوط، قواعد نحوية غنية، وعروض إعجازية. 

تجتاز لغتي الصوت الأصلي، وصدي الباقي. 

 

علينا إحياؤها بالمعاجم الكلامية وقراءة اليومية باللغة العرببة، بالقلم وحبره، قلم الثراء والثناء على لغة الأرض، لغة البقاء.

 

لغتي هويتي، أليست موطني وملجأي؟

أعرف أوطانا ولغات متناغمة وعظيمة، أطلب منها السماح للجوء دوماً إلى معقل لغتي، أداة صدقي الإنساني، وكيف أبدو شرقية ومتباهية، ليس حصرياً بملامحي، إنما بإنجرافي نحوها، لبلسمة جروحي عندما أكون في لهف وهم، صاحبة الجلالة لغتي، تلهمني بدفء الكلمات، انشراح الصدر والهناء بعد عناء الاغتراب، وها أنا أجد صور نفسي وحياتي في حضن لغتي.

 

وأتحدث بفخر واعتزاز في إرث حضارة لغتي.. ومعناه، مغزاه الجميل لا يخدش، إنما يصون اللسان. 

أليس علينا أن ندير لساننا سبع مرات قبل أن نلفظ بلغة النطق الأصيلة. 

وإذا استطعنا فنحن نعبر إلى اليقين، طريق حكيم، ففي اللغة العربية نناقش كل شيء، لنصل إلى كل شيء، وبشكل هادف لأي شيء. 

 

وأليست إشارات مرجعية للفكر والخطاب، البادرة والتوقيع كما الإيقاع؟ …

وأين تكمن فرص استعادة الكيان والهوية العربية؟ والجواب في تلات محطات: الحب في القلب.. الثناء على اللسان.. والثواب في حسن الاجتهاد. 

 

لغتي، لغتنا، أحبائي القراء، أليست منجما لكل الاتجاهات؟ وثرية في روعتها، أصيلة في جذورها، وهو رأي الكاتب الفرنسي تيوفيل غوتيه العاشق لأم الدنيا مصر في كل أدبه…

 

وجبران الكبير يردد: "لغتنا العربية، قصائدها تكتبها الأرض من السماء". 

 

إن أغرب ما حدث في تاريخ البشر، بتعبير الفيلسوف رينان، هو انتشار اللغة العربية، لغة ليس لها طفولة ولا شيخوخة، وثرائها ودقتها، ونظام بنائها وبنيتها لم تعرفه أي لغة على هذه الأرض، إنها لغة تسحرني....."

 

لغتنا العربية، أليست مرجعية بعدد كلمات لا تعد ولا تحصى، في كل الشؤون لأكثر من 300 مليون ناطق، ولغة رسمية للأمم المتحدة، والجامعة العربية، والمؤتمرات الإسلامية والإفريقية.

 

فكيف نحافظ على أجمل لغة مكتوبة في الخط العربي الذي لايضاهيه أي فن آخر؟ أليس هذا الخط نادرا في مقامه وثري في جماله؟ 

 

بأنماطه الكوفية والسخية.. وكأنه لقاء الشرق من ليالي ألف ليلة وليلة، حيث أسرت شهرزاد حبيبها شهريار، بحسنها الذي لا حدود له. 

 

لغتي، صاحبة الجلالة، وهبت الكثير والكثير، إنها تميزنا، إنها ترفعنا، وكما نرى لا تفصلنا عن الآخرين.

 

إنها اللغة التي تبتكر الإنسان، أليست شغف الحياة من الأعلى إلى الأدنى، نحارب المخاطر باللغة التي تنبع قطرة وراء قطرة، "كلمتي العربية بين شفتي تبقى عبدي، وعندما أبوح بها تصبح سيدي"، أولئك الذين يفتحون أفاقهم على لغاتهم سيرون أرواحهم تلد قوة جديدة.

 

وأليست الوسيلة لفهم الكلمة الإلهية، هكذا عرفها الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه.

 

نزول القرآن الكريم، أعظم معجزة لغوية في تاريخ البشرية، عظمة في حد ذاته "لقد جعلناه قرآنا عربيا حتى تفكروا.."

 

عظمة لا يمكن تصورها، أو تقليدها، بناء القرآن اللغوي يسحر يبهر، ويذهل، ونعجز عن تفسير هذا الإعجاز المستحيل، معجزة القلب والروح والعلم والفكر، والتقوى والإيمان.

 

إنها لغة الحمد والتسبيح "الحمد لله".

 

وبانتشار الإسلام، الدين الجميل، أصبحت هذه اللغة عالمية وتسافر من مكان إلى آخر في فتوحاتها المباركة في الأندلس وأوروبا، فهي تلعب دوراً حاسما في المسيرة الإنسانية .

 

والقرآن للكل، لا يعرف الفردية ورسالته المقدسة، هو وحي منزل للبشرية جمعاء باللغة العربية، لغة الأرض، والفلسفية الدينية والإنسانية لكل البشر.

 

عزيزي القارئ العاشق للغة العربية، هل تعرف ما تمنحنا إياه هذه اللغة الملكة؟ 

 

بالإضافة إلى صفاتها السامية والجوهرية القوية تمنحنا الفضل الكريم في الاتجاهات الصالحة، لنكون كأجدادنا الأنقياء، ولأننا نحب الرسالة العربية، نحن العرب، نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، المعلم العظيم، والشفيع الرحيم .

 

أعزائي القراء: "أليس الإبداع هو الوظيفة الحقيقية لهذه اللغة، وحيث لا يوجد إبداع لن يوجد لغة".

 

شعراء وأدباء وفلاسفة هذه اللغة، عظماء في عيون البشر، وباستمرار أثارهم تجعلنا نحلم ببراعة خلودهم، وجنون لغتهم العربية الآبية، اقتلاع الكلمات من جذورها، يزينها الشاعر بمخيلته ليفرض سحراً لغوياً، داخل اللغة تبهر القارىء وتربكه لتجعل الثروة اللغوية حقلاً كبيراً يحصد فيه القراء كنوز لغوية تفتح لهم أبواب الأبراج العاجية.. أضافوا إلى حياتنا بنثرهم وشعرهم إنجازات فوق الحياة لتتفتح صحراء الحقائق للكلمات العربية باروع ترتيب . 

 

عزيزي القارئ، لا يسعني إلا ذكر بعض الأسماء الخالدة في الروعة، إذ أن هناك موسوعات لأسماء لا تعد ولا تحصى، ومن بين من وهبنا شعرا خالدا بمعلقات غاصت في رئتي اللغة "امرىء القيس،  وعمر بن أبي ربيعة، وجميل بثينة، وابن المقفع، وأبو فراس الحمداني، وابن الرومي، والمتنبي"، وفلاسفة عمالقة حفروا فلسفتهم في ذكريات لا يمحوها الزمن، كالفارابي، وابن رشد، وابن خلدون، والغزالي، وأبو العلاء المعري، وابن سينا".

 

ننهل من معينهم حتى اليوم.. 

 

إلى شعراء النهضة العظيمة مثل حافظ إبراهيم، وأحمد شوقي، وقاسم أمين، وبدر شاكر السياب، وجبران خليل جبران، وإيليا أبو ماضي، والأخطل الصغير... إلخ

 

طه حسين عميد الأدب، وعباس محمود العقاد، شعلة الفكر الحر، إلى نجيب محفوظ، حائز نوبل العرب، العريق في أدب الرواية الإنسانية، مزيج من اللغة الحقيقية العليا، اللغة والجمال ودقتها وعراقتها لدى هذا الأديب الرائع ابن الحضارتين الفرعونية والإسلامية.

 

وأخيراً، يا صاحبة الجلالة، لغتي العربية، الإبداع الذي يطرب له المتذوق، عملت وستبقي تعملين على تطهير النفوس والارتفاع بها للأسمى لأنك دوراً أساسيا في تطوير وبقاء المجتمع حياً، مهمتك الكاملة ليست لها خاتمة، ومنذ البداية ووظيفتك لغتي، الأخلاقية والاجتماعية.

 

لغتي، لغتنا، تحوم حول حقيقة أسمى، أو الدعوة إليها، وبث الأمل في قيامها.

 

 

تم نسخ الرابط