عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حكاية مسجد مُوبتِي في مالي

د. إسماعيل حامد
د. إسماعيل حامد

توجد بعضُ المباني التي يمكنها أن تقدم لنا، بشكل أو بآخر، نموذجًا من العمارة الطينية التقليدية في غرب إفريقيا، ولعل من أبرزها "المسجد الكبير" في مدينة موبتي Mopti وتقع تلك المدينة على مسافة حوالي 635 كيلومترًا عن مدينة باماكو عاصمة دولة مالي. ومن المعروف أنه بعد عبور مدينة موبتي، يتجه مجرى نهر النيجر في اتجاه الشمال، ثم يكمل مساره في باقي بلاد الغرب الإفريقي.



وتعتبر موبتي من الموانئ المهمة الواقعة بالقرب من ضفاف نهر النيجر، وترجع مكانة موبتي نظرًا لأهمية موقعها عبر الطريق التجاري البري والنهري. ومن المعروف أن مسجد مدينة "موبتي" هو ذلك البناء المشهور في الكتابات الغربية "لا سيما الفرنسية" باسم: la Grande Mosquée de Mopti، وهو يُعرف بين السكان المحليين في تلك المدينة أيضًا بـاسم: "مسجد كوموغويل".

وهذا المسجد المشيد من الطين ليس قديمًا بشكل واضح، بل إنه بني خلال العصر الحديث، أي بعد عدة قرون من سقوط "مملكة صنغى" ذاتها. ومن المعلوم أنه تم بناء المسجد في سنة 1908م، وهو ما يشير لاستمرارية البناء بقوالب الطين. ويتكون بناء هذا المسجد من مبنى مغطى، وساحة مفتوحة "أو فناء مفتوح"، هذا بالإضافة لوجود جدارٍ واقٍ، ويبلغ طول هذا الجدار تقريبًا من 2 متر إلى 3 أمتار.

وعلى هذا، يعد مسجد موبتي واحدًا من أحدث المساجد الطينية الأثرية في غرب إفريقيا من حيث زمن البناء، حيث شيد إبان فترة حديثة نسبيًا مقارنة بغيره من المساجد الطينية الأثرية القديمة الأخرى في هذه البلاد، ومع ذلك يعتبر من أجمل المساجد التي شيدت على نمط العمارة التقليدية في غرب إفريقيا، كما يلاحظ أنه مشيد على غرار المساجد الأثرية القديمة في مملكة مالي التي بنيت على طراز "العمارة الطينية" المعروفة.

وتبدو ثمةُ تشابهاتٍ بين عمارة كل من "مسجد موبتي" من ناحية، و"مسجد جني" الكبير من ناحية أخرى، حيث يبدو كلاهما لحد ما نسخة من الآخر، لا سيما المسجد الأحدث في موبتي الذي شيد تقليدًا للمسجد القديم الموجود في جني، كما أن كليهما تم بناؤه من الطين، ويُعتقد أن المهندس الذي أشرف على بناء مسجد موبتي حاول تقليد طريقة البناء التي شيد بها مسجد جني.

ولكن يبدو هنا التقليد المعماري بشكل أكثر تواضعًا بين كل من المسجد الحديث والقديم، حيث يبدو "مسجد موبتي" أقل حجمًا وفخامة مقارنةً بالآخر، كما أن "مسجد جني" يتفوق بشكل واضح بجماله، وفخامته المعمارية، لا سيما باعتباره أضخم بناء شيد من الطين في التاريخ على قدر علمنا. ولقد كانت نظرة المعمار المسلم دائمًا تتجه صوب مدن الإسلام العريقة، مثل القاهرة، وبغداد، ودمشق شرقًا من ناحية، ومدن القيروان، وفاس غربًا من ناحية أخرى.

وكانت تلك المدن تزخر بأعداد كبيرة من المساجد التي شيدت على غرار مسجد الرسول "ص" بالمدينة، وهو مسجد مشيد على النمط الكلاسيكي المكون من صحن مكشوف أوسط، وتحيط به الأروقة من الأربعة جوانب، وهذا النمط هو ما تم تقليده في مختلف الحواضر والعواصم الإسلامية فيما بعد.

ولعل من السمات المتشابهة لحد ما أن المسجد النبوي على سبيل المثال شيد من الطوب اللبن، بينما كانت أساسات المسجد مشيدة من الحجارة، وهو ما يتشابه لحد بعيد مع الكثير من العمائر في غرب إفريقيا.

ويمكن القول بأن المهندسين والبنائين في بلاد السودان الغربي سعوا لتقليد هذا النمط المعماري، رغم صعوبة الأمر قياسًا بمواد البناء التي لا يمكن مقارنتها بنظيراتها في هذه المدن، ومع ذلك نجد نجاحًا ملحوظًا في ذلك، ورغم صعوبة الأمر، إلا أن البنائين في غرب إفريقيا حاولوا أن يحققوا قدرًا كبيرًا المخططات الكلاسيكية وبنفس المستوى لحد ما من التشييد والبناء، كما تم وضع كم كبير من العناصر المعمارية والزخرفية التي تتوافق مع الطبيعة والبيئة التي شيدت بها تلك العمائر.

ومن المعروف أن هذين المسجدين، أي مسجد جني ومسجد موبتي، كلاهما مشيد بذات طريقة البناء، وبذات المواد لا سيما من قوالب الطين، ويتميز كلاهما بارتفاع الجدران، وإن يبدو "مسجد جني" أكثر ضخامته بشكل واضح، وأكثر إبهارًا مقارنةً بالآخر في موبتي، وكذلك مع الفارق الزمني والتاريخي الكبير بين كل منهما.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز