عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
عودة مسرح السامر.. استدعاء الجمهور الغائب

عودة مسرح السامر.. استدعاء الجمهور الغائب

لا أعرف لماذا تذكرت مرحلة الازدهار المسرحي النادر في مصر في أعقاب الحرب العالمية الأولى، بينما كنت أتأمل بسعادة بالغة إنجاز استعادة مسرح السامر بالعجوزة، وهو الأمر الذي عكف المخرج هشام عطوة على إتمامه بشكل متقن ومبهر للغاية.



وتم ذلك بطريقة مؤسسية تستحق التقدير ألا وهى المتابعة الدقيقة من وزيرة الثقافة أ.د نيفين الكيلاني للمشروع الذي بدأته أ.د إيناس عبدالدايم، والتي غادرت موقعها، وهو مشروع مهم تأخر كثيرًا، وانتظره المسرحيون بشوق كبير، وهو مسرح السامر، الذي أنجزته أ.د نيفين الكيلاني بذات الحماس وبالإخلاص نفسه.

ولذلك أصبح السؤال المهم الذي دفعني إلى استعادة تلك المرحلة الزمنية المصرية، هو سؤال عن أهمية دور العرض المسرحي المفتوحة على الجمهور العام في الشارع المصري، بعيداً عن الأماكن النخبوية المغلقة والمسارح باهظة التكاليف مرتفعة القيمة المادية لشباك التذاكر.

مما يؤكد أن تلك الظاهرة يمكن أن تكون ذات تفسير إيجابي يدل على حيوية واهتمام مجموعات اجتماعية جديدة بفكرة الذهاب إلى المسرح، حتى لو كان ذلك بسبب البحث عن التسلية.

هذا ولقد حقق تيار التسلية والترفيه رواجاً عظيماً خلال سنوات الحرب العالمية الأولى، وفي أعقابها، حتى كاد يسود جميع العروض المسرحية التي كانت تقدم على مسارح القاهرة خلال تلك الفترة، وقد بلغ رواج هذا التيار ذروته في مطلع العشرينات، حيث كسب المسرح جمهوراً جديداً من الموظفين والطلاب، الذين صاروا يشكلون نواة الطبقة الوسطى في المجتمع المصري خلال تلك السنوات، وهكذا أضيف جمهور من هؤلاء إلى الجمهور التقليدي للمسرح المصري المنتمي للطبقات العليا ذات السلطة والنفوذ في البلاد، ولعل هذا الحكم ينطبق على الطبقة الوسطى في المرحلة الثانية التي مرت بها هذه الطبقة، حيث أصبحت القيادة للجناح الثاني من الجناحين اللذين تشكلت منهما هذه الطبقة، أعني الجناح الذي كان يمثله رجال الأعمال والتجار وأصحاب رؤوس الأموال الصغيرة، إلا أن المحاولات الجادة لم تنقطع في ظل مجهودات فرح أنطون ومحمد تيمور وعيسى عبيد، وفيما بعد توفيق الحكيم، وفي هذا الإطار المزدحم، ومع نمو جمهور جديد مرتبط بالطبقة المتوسطة، التي سبق الإشارة إليها، فإن الدولة حاولت أن تكون عصرية ومتشابهة مع المجتمع الغربي، فسعت نحو رعاية المسرح، وتبني تيار المسرح الجاد الفني في محاولة لاستمرار وجوده إلى جانب مسرح التسلية، وفي هذا الصدد يرى نعمان عاشور أن إنشاء "الفرقة القومية" عام 1935، كان خطوة من الخطوات المهمة التي وضعت المسرح على الطريق الصحيح، باحتضان الدولة له، وفيها ارتبط المسرح في تلك الفترة ارتباطا وثيقا بالأدب المكتوب، فلم يكن غريبا الاعتماد على وجود النص كأبرز العناصر، ولهذا تم تقديم مسرحية "أهل الكهف" لتوفيق الحكيم في افتتاح الفرقة، تلتها مسرحيات شوقي الشعرية ومحمود تيمور وعزيز أباظة وعلي أحمد باكثير، وفي هذا الإطار نافست فرقة أخرى جادة سميت بـ"الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى"، وقد أدخلت المسرحيات المكتوبة باللغة الدارجة، ووسعت دائرة اختصاصها، إلا أنها لم تنجح لابتعادها عن مناقشة هموم الجماهير، خاصة مع اتساع رقعة الطبقة الوسطى في مصر آنذاك، واهتمامها بالقضايا الوطنية والثقافية، وعلى الجانب الآخر ظهر مسرح الريحاني والكسار إلى جوار عمل الفرقة القومية الحكومية وتطور عمل يوسف وهبي في تأكيد مدرسة المليودراما ونشاط فرقة رمسيس، مع استمرار تيار الفرانكوآراب والمسرح الغنائي والاعتماد على الفودفيل والاقتباس للميلودرامات، وفي هذا السياق يمكن ملاحظة مجموعة عناصر تفسر عملية التأريخ لتلك الفترة والسنوات التي تلتها قبل ظهور مسرح الستينيات بملامحه المعروفة ويمكن إجمالها، في ملاحظة مهمة كبيرة.

ألا وهى نمو الطبقة الوسطى وتشكل ملامحها بتأثير الحرب العالمية الأولى، وصولاً للأربعينيات والخمسينيات، وهي التي ساهمت في تشكيل احتياجات جديدة للمسرح غير تلك التي كانت تتطلبها الفئات العليا فقط من ناحية، وجمهور روض الفرج التقليدي من ناحية أخرى، ما ساهم طبقاً لاهتمامات هذه الطبقة في نمو القضايا الاجتماعية في المسرح، على الرغم من أن قوام الطبقة الوسطى في مصر حالة خاصة، إذ تعتمد في جوهرها على الموظفين وأصحاب الحيازات الزراعية معاً، وهو الأمر الذي يمكن مقاربته مع الحيازات التجارية الجديدة الكبيرة، ومكونات أخرى للشريحة العليا للطبقة المتوسطة الجديدة في مصر الآن والمهتمة بالذهاب إلى المسرح، وبتأمل حركة المجتمع الضرورية لأي مهتم بالتخطيط لمستقبل المسرح المصري.

إن المسرحية الجادة التي تعتمد على النص، والمسرحية ذات المذاق الميلودرامي، والمسرحية الكوميدية ذات الطابع الانتقادي المنتمي للأصل الشعبي المتوجه نحو الأوبريت، وكذلك المسرحية الغنائية، كانت هي الأنماط الحاكمة لذوق الجمهور طوال الفترة السابق الإشارة إليها، وهو أمر متكرر في مصر الآن بتنويعات مختلفة.

بتأمل الماضي القريب ندرك أن المثقف المصري الملتحق بالطبقة الوسطى أزمة هوية في إنتاجه الفني بين المسرح المجلوب من الغرب، وقضاياه القومية، وقد ظهرت هذه الأزمة بوضوح في جيل الأربعينيات الذي شكلت الثورة طموحه وأمانيه فكان الاندفاع نحو مسرح الواقعية الاجتماعية، الذي تأكد في رسوخ الواقعية مع النصف الثاني من الخمسينيات، التي أكدت نفسها بكل وضوح في السنوات العشر الأوائل من الستينات، وهى أزمة الهوية التي يعيشها المثقف المسرحي المصري من جديد، في مصر الآن، إذ يطرح على نفسه سؤالاً عن ماذا أقدم؟ 

ما نوعية النصوص والعروض التي يمكن استهدافها؟

وهل يمكن الاندماج في تيار التسلية، ومسارح الترفيه والرفاهية الجديدة، أم العودة لأعمال التراث والأعمال المسرحية الجادة؟

وما هو موقف الجمهور المستهدف وهل هناك جمهور يمكن استعادته؟

لقد أثبتت الفترة والتجربة السابقة في مصر والتي سبق الإشارة إليها ضرورة وجود ذلك الجمهور الداعم من الطبقة المتوسطة المصرية لذلك النوع المسرحي الجاد.

سؤال يطرحه السامر وعودته كمسرح ودار عرض على المسرحيين والمؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني: هل يمكن استعادة العروض والجمهور، الذي ترك أكبر تجربة مسرحية في مرحلة مسرح التسلية على أنه كان موجوداً وحاضراً.

لا شك أن هذا الجمهور الغائب، وهو شرائح مهمة من الطلاب والمهنيين والمتعلمين من الطبقة المتوسطة المصرية الذين يحتاجون لمسرح في متناول أيديهم، يحتاجون فقط لطلب استدعاء لعروض جمالية مبدعة، وفوراً سوف يعود.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز