عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
ماذا حدث؟

عند منتصف الطريق من أولمبياد بكين إلى مونديال قطر

ماذا حدث؟

فى مطلع العام الجارى وقبل أسبوع من اندلاع الحرب «الروسية - الأوكرانية» بدأت هذه السلسلة من المقالات تحت عنوان «عند منتصف الطريق».. الطريق الذي بدأته مصر فى تأسيس جمهوريتها الحديثة بداية من يونيو 2014، وتم تحديد المسار الإصلاحى التنموى المصري بإعلان «خطة مصر 2030»، والتي تكفلت بتوصيف ما نحن عليه وما ينبغى أن نصل إليه، من هنا كان العام الجارى عامًا فارقًا فى الطموح الوطني.. ولكن على رقعة السياسة الدولية كان هذا العام فاصلًا.



اندلع الصدام الدولى تحت مسميات عدة، بين الحرب «الروسية - الأوكرانية» أو الأزمة الدولية، أو الصراع العالمى، فإن تكتلات قد تشكلت وعداء قد أعلن نفسه، وبين الآلة العسكرية ومعترك المعلومات والحرب السيبرانية وتدفقات الأسلحة وتقاطر المرتزقة ودخول شركات الحراسة الخاصة فى تصفية الحسابات الدولية تشكل فضاء سياسي عالمي ضاغط على الجميع فى ملفات معيشة البشر (الغذاء والطاقة)، وفوق كل ذلك ارتفاع معدلات التضخم، واهتزاز 98 عملة أمام الدولار بما فيها اليورو والجنيه الاسترلينى.

مع أولمبياد بكين حضر التحالف «الصينى - الروسى»، وبدأ العالم يستقبل نمطًا جديدًا من السياسة الأنجلوسكسونية وعنوانها ارتباط مباشر بين لندن وواشنطن، ومع تفاعلات الحرب صعد اليمين فى أوروبا وكسرت ألمانيا محددات التسليح التي فرضت عليها بعد الحرب العالمية الثانية لتزيد المجال الحيوى الفرنسى ارتباكًا.

أدركت إدارة بايدن أن سياسة فك الارتباط مع الشرق الأوسط كانت مبنية على تقديرات خاطئة وحضر بايدن إلى المنطقة مرتين.. الأولى فى قمة جدة وما زالت آثارها حاضرة فى الصحافة وبيوت التفكير الأمريكية، والثانية فى قمة شرم الشيخ للمناخ، وبدا بايدن منفتحًا كثيرًا تجاه الشرق وتجاه الدولة العربية  صاحبة التأثير الأكبر والأهم وهى مصر.

عاد نتنياهو من جديد إلى رأس السلطة فى إسرائيل، وكانت عودته متوقعة، عاد وكانت لبنان قد أنجزت تفاهماتها مع تل أبيب، تلك التفاهمات التي غلبت فيها البراجماتية الصخب السياسى.. جلس بايدن فى مباحثات مباشرة أمام شى  جين بينج الزعيم الصينى الذي حسم الحزب الشيوعى الصينى مسألة الاصطفاف خلفه أيضًا فى 2022.

بدأ بوتين المعترك وكل ما يتحدث به يؤشر على قدرته فى الإمساك بإيقاع الصراع.. تمكن من الإفلات من الفخ النووى مرارًا.. لكن الحقيقة التي جرت أن انكشافًا عسكريًا لروسيا قد جرى فى هذا العام، واستنزافًا غير محدد المدى تعانى منه، وتعايشًا عالميًا مع أزمة سيخرج كل أطرافها بحصيلة كبرى من الخسائر، وأول الخاسرين الأطراف المباشرة (روسيا والاتحاد الأوروبى).

وإذا كان الفناء الخلفى للأزمة يتجه بوضوح نحو منطقة آسيا الوسطى فإن الثقل الاستراتيجى أصبح عنوانه منطقة (شرق المتوسط)، وهى الميزة الاستراتيجية الدولية التي نجحت مصر ونجح الرئيس عبدالفتاح السيسي فى إضافتها للكم الاستراتيجى المصري التقليدى المرتبط بالجغرافيا السياسية لمصر وامتلاكها أهم شريان ملاحى عالمى، ضمنت سلامته وقامت بتطويره بشكل غير مسبوق، فضلاً عن كونها الدولة التي تمتلك القوات المسلحة الأكبر والأكثر قدرة فى المنطقة، مما جعلها كتلة صلبة ضامنة للاستقرار فى الشرق الأوسط وفى جنوب المتوسط بشكل عام.

الشرق الأوسط هو نقطة تلاقٍ لمصالح جميع أطراف الصراع، ومن هنا ظهر النضج العربى فى التفاعل مع معطيات الأزمة بسياق واضح.. أهمها ترتيب البيت العربى وتصفية الأجواء «العربية - العربية»، والبناء على ما جرى فى قمة العلا التي أنهت المقاطعة العربية لقطر.. وحضر الأمير تميم بن حمد إلى القاهرة، وأعقبته زيارة من الرئيس السيسي إلى الدوحة.. أنتج العمل العربى المشترك من خلال الأطر الثلاثية والرباعية قمة عربية ناجحة فى الجزائر عاد معها الحديث عن ثوابت الأمن الإقليمى العربى.

تاريخيًا.. مع كل مختبر دولى وأنت تنظر إلى الشرق الأوسط تنظر إلى الدول الإقليمية الكبرى، وهما دولتان من داخل الإقليم العربى وأعنى هنا (مصر والسعودية)، ودولتان من خارج الإقليم العربى، وأشير هنا إلى (تركيا وإيران).

خلال العام 2022 أبدت تركيا ونظام رجب طيب أردوغان إشارات ضمنية وصريحة للرغبة فى التقارب مع مصر، وكانت القاهرة لا تعقب، وعدم التعقيب هنا مفاده سياسة مصر الإقليمية المعلنة ومحدداتها الواضحة وهى (السلام. الاستقرار. التنمية) ومن يريد أن يلتقى مصر.. يجدها عند تلك المحددات.

إلى أن جاء حفل افتتاح مونديال الدوحة ليستمر النظام الإقليمى والدولى فى البلورة من ساحات الرياضة.. وجرى لقاء القادة بين مصر وتركيا ومهدت له قطر.. نعت بروتوكوليًا بالمصافحة.. صنف حديثه بالجانبى.. لكن النتيجة تحققت بأن كسرًا لجمود مشهد العلاقة قد تم على أعلى مستوى بين القاهرة وأنقرة، تلك العلاقة التي كانت تصنف دبلوماسيًا بالمشهد القاتم قبل عام واحد فقط.

بين دوائر السياسة والإعلام خطوط حاضرة لا تنفصل، بل إن النظام الدولى الجديد يتشكل معه نظام إعلامى عالمى جديد بأدوات مستحدثة من وسائط الاتصال والذكاء الاصطناعى ينتقل معها الإعلام من دوره المبسط فى التثقيف والترفيه إلى امتلاك القدرة فى تحقيق أهداف القوة الذكية للدول وهو مفهوم جوزيف ناى فى تسعينيات القرن الماضى، وهو المفهوم الذي يؤسس لحتمية الدمج بين القوة الناعمة والقوة الصلبة فى تحقيق أهداف استراتيجية للدول.

تفاعلت مصر مع الظرف العالمى بفهم مدروس.. يسبق إقليمها بخطوات.. وهى الرؤية الاستراتيجية التي تحسب للقيادة السياسية وأجهزة الدولة المعنية.. فلا بناء قد توقف مثلما تمنى كل حاقد على نجاح هذه الأمة.. ولا تراجع قد جرى مثلما توقع كل خصم لهذا الشعب العظيم.. ولكن حصلت مصر على نصيبها من الأزمة الدولية بالضغط على موازنتها، وظهرت الإجراءات والحلول البديلة المدروسة التي تحقق أكبر قدر من تجنب المخاطر من جهة وتحفظ مسار التنمية التصاعدى من جهة أخرى، واستمرت فى تعزيز مكانها ومكانتها الدولية، وتكفى الشهادات الدولية بالنجاح المبهر لمصر فى تنظيم قمة المناخ والحضور الذي أعاد لشرم الشيخ هيبتها لتقول إنها العاصمة الدبلوماسية المتوجة للشرق بلا منازع.

كان بإمكان مصر وقيادتها أن تتخلى عن مسار الإصلاح الشاق وأن تكتفى بالصراع العالمى الذي يعانى منه الجميع.. ولكن لأن رغبة الإصلاح حقيقية وقوتها الدافعة إيمان الرئيس عبدالفتاح السيسي بحتمية الإصلاح الشامل سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.. لأن مصر لا تملك إلا إرادة النجاح ولا تملك رفاهية الفشل.

فكان الحوار الوطني الذي كتب النهاية الحتمية لتنظيم الدم والإرهاب جماعة الإخوان وتنظيمها الدولى.. الحوار الذي يحدد أولويات العمل الوطني ليعلن من أول تدشين آلياته أن الإرهاب لن يكون جزءًا من مستقبل مصر، وأن الأمة المصرية استوعبت كل دروس الماضى فى التعامل مع هذا التنظيم، وهذه الجماعة الوظيفية التي بنيت على منهج العمالة لضرب كل ما هو وطني.. وواصلت لجنة العفو الرئاسى دورها بالتعاون مع مؤسسات الدولة، وخرجت دفعات متتابعة من المحبوسين بكرامة وطنية وإرادة مصرية خالصة.

الآن أختتم هذه السلسلة من المقالات والتي اجتهدت خلالها فى توثيق صفحة من صفحات مسيرة وطن أقسم على أن يحجز موقعه الذي يستحقه بين الأمم فى ظل نظام عالمى يتشكل الآن وهو الفاصل التاريخى الذي لا يعترف إلا بمن يملك القدرة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز