أيمن عبد المجيد
احتفالات أكتوبر من الدراما والأغنيات إلى زخم الإنجازات
آفة كثرتنا النسيان
منذ نعومة أظفارنا ووعينا بحجم المعجزة، التي حققتها مصر قيادةً وجيشًا وشعبًا، في شهر أكتوبر 1973، ونحن نألف الاحتفال بذكرى الانتصارات المجيدة بكلمات حماسية، وبضعة أفلام توثق البطولات، ثم مجموعة من اللقاءات التليفزيونية والحوارات الإعلامية مع أبطال شاركوا في العبور العظيم.
وكثيرًا ما كان الاحتفال باستعادة سيناء الغالية، ببعض الأغنيات، "بالأحضان يا حبيبتي يا سيناء بالأحضان"، و"سينا رجعت كاملة لينا، ومصر اليوم في عيد"، وفي وقت قريب كانت الاحتفالات مكررة، ذات خطب وأفلام ومسلسلات، وجملة من الشعارات.
حتى جاء العام 2012، لتشهد مصر أسوأ احتفال بهذا النصر العظيم، جلس فيه قتلة الشهيد محمد أنور السادات، يحتفلون زورًا بنصر أكتوبر، وسط حشد من جماعة الإخوان الإرهابية في ستاد القاهرة، وغياب الأبطال الذين صنعوا النصر.
ومع استعادة الوطن في الثلاثين من يونيو 2013، وتولي الرئيس عبدالفتاح السيسي قيادة الوطن في العام 2014، بدأت تحولات جذرية تشهدها مصر، عبر استراتيجية الإنجاز.
فالرئيس السيسي تسلم الدولة، منهكة القوى، مهددة البنيان، تُعاني أزمات اقتصادية حادة، وتواجه تحديدات أمنية غير مسبوقة، هجمات إرهابية، وحملات تشويه ممنهج في وسائل إعلام غربية، ودعم للجماعة الإرهابية، ماليًا وإعلاميًا ولوجستيًا، من دول وأجهزة مخابرات معادية.
ورغم ذلك شرع في "تحدي التحدي"، محاولًا استثمار لحظة اليقظة الشعبية، وجذوة الروح الوطنية المتقدة، بشق مجرى ملاحي جديد بقناة السويس في 12 شهرًا فقط، بأيادٍ مصرية وتمويل مصري خالص، ليشعر المصريون أنفسهم بقدرتهم الحقيقية على الإنجاز.
وقد كان، انتصر المصريون على اليأس، وعلى الإرهاب الذي ضاعف طعناته أملًا في عرقلة مسيرة التنمية، لتتفاقم الأزمات الاقتصادية فيسهل تأليب الشعب على حاكمه، لكن الصفعة للجماعة الإرهابية ومن يقف خلفها كانت قوية.
فقد عبّر الشعب عن ثقته في قيادته، بجمع 64 مليار جنيه في أسبوع في اكتتاب عام لحفر القناة الجديدة، وفي 5 أغسطس 2014، بعد شهرين فقط من انتخاب الرئيس السيسي، أعطى إشارة البدء في حفر قناة السويس الجديدة، قائلًا: "بسم الله الرحمن الرحيم، وباسم شعب مصر العظيم، ووفاءً بالعهد والوعد واستكمالًا لمسيرة الأجداد العظماء، ومتوكلًا على الله سبحانه وتعالى، نأذن نحن عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية ببدء حفر قناة السويس الجديدة؛ لتكون شريانًا جديدًا إضافيًا للخير لمصر وشعبها والعالم أجمع".
يومها بثت أفاعي الشر سمها عبر القنوات الفضائية المعادية، والميليشيات الإلكترونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، محاولة التشكيك في المشروع وجدواه والقدرة على إنجازه.
فكان فضل الله عظيمًا، منح القائد قدرة اتخاذ القرار، وفاض على الشعب بثقة في قيادته، ووهب مصر سواعد فتية أنجزت في غضون 12 شهرًا، فشهد العالم ميلاد شرعية الإنجاز، ليقف الرئيس على يخت المحروسة في المجرى الملاحي الجديد بزيه العسكري؛ ليقول للعالم إنه لا يزال مقاتلًا.
قالها الرئيس السيسي، يومها، واضحة: "إن الشعب المصري العظيم يُعلن للعالم اليوم رسالة قناة السويس الجديدة: إننا ننتصر على الإرهاب بالحياة، وعلى الكراهية بالحب"، يومها قال الرئيس إن المشروع خطوة على طريق طويل من المشروعات القومية العلاقة.
ومرت الأيام والسنوات، لتزداد سلاسل المشروعات القومية في كل المجالات، بلا وعود ولا شعارات، فالشعب والعالم يرى الإنجاز يوم افتتاحه، بعد أن بات واقعًا معاشًا، وتمر السنوات، وتحقق القناة أكبر إيرادات في تاريخها بلغ 7 مليارات دولار، في العام الملاحي 2021-2022، محققة أعلى حمولة صافية سنوية 1.32 مليار طن، مستوعبة أكبر السفن العملاقة عالميًا، بفضل تعميقها وخفض ساعات زمن رحلة المرور.
يومها كان الإرهابيون يروّجون أنها "ترعة"، لا جدوى من شقها، لكن آفة كثرتنا النسيان، مع التقدير لأديبنا القدير نجيب محفوظ رحمه الله.
وتتوالى الإنجازات، عامًا بعد عام، ليتحول شهر أكتوبر من كل عام، إلى شهر افتتاح المشروعات القومية العملاقة، فيتحول الاحتفال من مجرد خطب وأغنيات وأفلام ولقاءات إعلامية، إلى افتتاحات لإنجازات قومية تعظّم من القدرة الشاملة للدولة المصرية.
وها هو أكتوبر هذا العام يُسدل ستائره على جملة الإنجازات، بافتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسي اليوم 31 أكتوبر، مركز التحكم الرئيسي للشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة.
ثورة رقمية في التحكم ورفع الكفاءة في التعامل مع الأزمات وتلقي الاستغاثات، وتأمين كامل للمنشآت القومية والمناطق الحدودية، كثمرة لأول قمر صناعي مصري للاتصالات "طيبة 1".
مركز التحكم الرئيسي للشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة، مشروع عملاق لخدمة المواطنين، يستفيد منه جميع القطاعات، منها تلقي استغاثات الحوادث ومتابعة الحادث صوتًا وصورة، وتوفير أسرع دعم طبي، داخل السيارة ونقل العلامات الحيوية لأقرب مستشفى قبل الوصول لتوفير المكان والأطقم الطبية اللازمة.
يستفيد منها قوات الشرطة والدفاع المدني، في إدارة الأزمات في كل المحافظات واتخاذ الإجراءات اللازمة، كاميرات ثابتة بالطرق، وعبر عربات نقل الحدث تنقل الأحداث لغرفة التحكم لحظة بلحظة، فالجمهورية الجديدة دولة عصرية.
تلك الشبكة الموحدة تمثل العمود الفقري للاتصالات وتطبيقات وأنظمة الجهات الحكومية، للتكامل بين كل الوزارات والجهات الخدمية؛ لرفع كفاءة وجودة الخدمة للمواطن المصري في أوقات الأزمات، وعلى مدار الساعة، بتطبيقات تخدم جميع المجالات، طرق ومواصلات وصحة وأمن، حتى تأمين المناطق الحدودية.
كل ذلك بتأمين كامل للبيانات والاتصالات على هذه المنظومة، تحول دون اختراقها أو إعاقة تدفقها.
شهد أكتوبر أيضًا، علاجًا جذريًا للتحديات الاقتصادية، عبر تقديم الدعم للصناعة المصرية، عبر المبادرة الوطنية "ابدأ"، التي تستهدف إحياء الصناعة المصرية، بما يضاعف من الإنتاج المحلي، بما له من انعكاسات إيجابية لسوق العمل، وخفض نسب كلفة الاستيراد الدولارية، وتحقيق عوائد اقتصادية مصرية للسوق المحلية والتصدير.
شهد أكتوبر هذا العام أيضًا، افتتاح مجمع مصانع الشركة المصرية للرمال السوداء، بمدينة البرلس، وهو استثمار لكنز مصري ظل لعقود دفينًا، ففي مصر 8 مناطق منتشرة على ساحل البحر المتوسط تحوي رمالًا سوداء من رشيد شرقًا إلى رفح غربًا بطول 400 كم.
هذا المشروع العملاق، يستهدف استخراج معادن نادرة عالية القيمة الاقتصادية من الرمال السوداء، منها معدن "الألمنيت والرتيل"، اللذان يستخدمان في صناعة هياكل الطائرات والصواريخ والغواصات ومركبات الفضاء والدهانات والأصباغ والجلود.
فيما يستخدم معدن الجرانيت في صناعة أحجار الجلخ والمستنفرة وقطع الرخام، وغيرها من المعادن ذات الجدوى الاقتصادية العالية، التي تمكن مصر من توفير احتياجات الصناعة المصرية بديلًا عن الاستيراد، ومن ثم إنشاء مجمعات صناعية تخلق نحو 5 آلاف فرصة عمل جديدة.
كما شهد أكتوبر المؤتمر الاقتصادي الأهم، لوضع أجندة أولويات وطنية، وافتتاح مستشفى كلية الطب بالقوات المسلحة للمدنيين، واستلام الفرقاطة "العزيز"، التي تُمثل إضافة تكنولوجية كبيرة لقدرات البحرية المصرية، وتعزيز القدرة الشاملة وحماية الأمن القومي المصري.
وفي بداية أكتوبر كانت الندوة التثقيفية 36، التي كرّم فيها الرئيس أبطالًا من ذهب، ليواصل الأحفاد في سيناء السير على خطى الأجداد، في ذلك اليوم كانت "يقين" تلك الطفلة البريئة التي ألقى بها القدر بين مخالب أب إرهابي وأم متطرفة استخدماها درعًا بشرية في مواجهة مع قوات مكافحة الإرهاب.
مع المواجهات تركتها مصابة بين الرمال تُصارع الموت، انتشلتها أيادي الأبطال، لتحتضنها الدولة المصرية، مقدمة لها العلاج والرعاية الصحية والبيئة الاجتماعية والمدرسية لتتحول من فريسة بين أيادي التطرف لطفلة مصرية ذكية تحلم بمستقبل باهر.
هذه هي مصر، هذه هي الجمهورية الجديدة، وهكذا تحتفل بأكتوبر، بالإنجازات لا الشعارات، بالعلم والعمل، أكتوبر حقًا إرادة وطن، وشعب مصر الذي وثق في قيادته، سيظل داعمًا للقيادة ومؤسسات الدولة، فما يشهده من إنجازات حقيقية تعظّم من وعيه، وتزيد من مناعته ضد الرسائل الهدامة ومؤامرات التحريض والتضليل، فيزداد قدرةً على مواجهة التحديات وتحمُّل فاتورة العلاج الجذري لأزماتنا المتوارثة، وما اختلط بها من تحديات ناجمة عن أزمات عالمية.
حفظ الله مصر، ولتحيا عزيزة آمنة مطمئنة مستقرة ينعم شعبها بخيرات الله.