عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
عندما يعلم الجمهور الصفوة الفنية ... ملاحظات الضرورة

عندما يعلم الجمهور الصفوة الفنية ... ملاحظات الضرورة

 دعنا نستعيد معاً مفهوم الصفوة، إذ أن الاتفاق الاجتماعي التاريخي على النظر للكتاب والفنانين والمثقفين كجزء من صفوة المجتمع المصري والعربي، شأنهم في ذلك شأن نظرائهم في معظم بلدان العالم المعاصر وفي كل بلدان العالم المتحضر، يجعلنا نعود إلى ذلك المفهوم. إلا أن مصطلح الصفوة نفسه (Elite) غامض بدرجة كافية مما يدفعه للالتباس عند تفسيره وتطبيقه على الواقع المعاش في مصر الآن. 



إن مفهوم الصفوة يجعلها هي الأغلبية المختارة المنتخبة عبر حب الجماهير العريضة. 

مما أدى إلى اتفاق يلقى القبول العام عن دور هذه الصفوة في حفظ القيم. 

فالقيم الحضارية من المفترض أن تبقى محفوظة عن طريق هذه الصفوة المجتمعية. 

وهي تستمد كصفوة موقعها المتميز على سبيل المثال من وضعها الاجتماعي، وفي حالتنا تستمده من الشهرة في عالم الفن، وهو العالم الذي استهدفه بعدد من الملاحظات الضرورية. 

الملاحظة الأولى أن هذه الصفوة المشار إليها تنتمي في معظمها إلى الطبقة المتوسطة المصرية التي لا زالت صامدة رغم كل تداعيات الواقع المؤثرة عليها. 

وهي بشكل نسبي متكرر ظلت شأنها شأن معظم برجوازيات العالم العربي حبيسة أنماطها الإنتاجية التقليدية (بمعنى الإنتاج الزراعي والبضائعي وليس السلعي، ومهارات المهن المتنوعة). 

مما أبقاها خارج التأثير الفعال سنوات طويلة. 

حتى إذا بدأت حركتها نحو التحديث والتصنيع والتطوير كان الوقت متأخراً جداً بالنسبة لنظيراتها في العالم الغربي. 

بل وفي الشرق البعيد كما هو واضح في دور النخب التقليدية في تقدم اليابان على سبيل المثال. على ما تحمله اليابان من نظام تفكير شرقي شديد الخصوصية. 

وهكذا بقيت الصفوة حبيسة التفكير الثابت إما بالنظر نحو السلفية التاريخية الدينية أو الليبرالية الغربية، والتي يصعب إعادة إنتاجها في مصر لأسباب عديدة، وأما الماركسية التاريخية أيضاً والتي لا يوجد لصفوتها رصيد جماهيري داعم. 

ومع غياب قدرة هذه الصفوة على التأثير الحقيقي الكبير والجذري في المجتمع، ومع تغير الكيفية التي تمت عبرها صناعة الثروة والشهرة، ظهرت جماعات جديدة من الصفوة خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي. 

مما أدى إلى هبوط مفهوم هذه الزمرة من الصفوة المصرية خاصة في مجال الفنون من أعلى إلى أسفل. 

بحيث خاطبت الوعي الشعبي وعبرت عنه، وأحياناً خاطبت الوعي الصادر عن العشوائيات والمناطق الخطرة والأكثر خطورة في مصر. 

مما جعل بعض السلوكيات وقيم المناطق العشوائية بما تحمله من طابع عنيف ومتجدد ومتوافق مع الحاجات الحسية الأساسية مصدرا لأداء وأعمال وملامح الأعمال المنسوبة للفن. والتي تقدمها تلك الصفوة الجديدة الصاعدة من أسفل السلم الاجتماعي إلى مكان بارز في أعلاه. 

وكثيراً جداً حدث أن هبطت تلك الصفوة من أعلى السلم الاجتماعي إلى أدناه لتغرف من معين متجدد عشوائي بدائي قوى مخلوط ببعض من ملامح الثقافة الشعبية البريئة من هذا الوعي المزيف الذي يتحدث بأسمها. 

ولذلك فهي صفوة تحاول إنكار معرفتها الثقافية، وحتى الذين حصدوا منها تعليماً مميزاً يحاولون إخفاء هذا التعلم، يتجاهلون اللغة العربية الفصحى عندما يتكلمون، يتجاهلون أعمال القمم الإبداعية من النصوص المصرية عندما يختارون أعمالهم الفنية، ويستخدمون لغة الإشارة وطريقة الإيماءة ولغة الجسد والألفاظ المستحدثة في الشارع المصري الهامشي ليضعونها في مكان المتن والصدارة. 

وبالتدريج فقدت هذه الصفوة الفنية قدرتها على الحوار مع الوعي الشعبي العام، لمحاولتها الدائمة للالتصاق به وتقليده. 

مما يظهر في لجوء عدد من النجوم لصداقات وصور اجتماعية في مناسبات اجتماعية عديدة مع عدد من البلطجية الكبار الذين دخلوا عبر الشهرة أيضاً إلى مراكز واضحة في الموقع الاجتماعي. 

هذا وقد تم دعم عدد من الإنتاجات الفنية الشعبوية ذات الطابع العشوائي من بعض كبار رجال المال والأعمال في مصر، وفي حفلات الساحل الشمالي وغيرها. 

ثم تطور الأمر إلى تقمص تلك المشاهد في الواقع، ويظهر ذلك جلياً في مشاهد المشاجرات والسباب المتكررة المتبادلة بين الفنانين، بل ومحاولة البعض سحب الشخصيات الدرامية التي يقدمونها للحركة في الواقع والشارع بطريقة مدهشة ومفزعة ومثيرة للسخرية.  مؤخراً بدأت الجماعات الشعبية تعترض على تلك الصفوة العشوائية الجديدة. 

الإسكندرية بثقافتها المدنية وهي مدينة عريقة حاولت المقاومة واستخدمت أسلوباً حضارياً ممثلاً في حملات مقاطعة لتلك الفنون العشوائية ولم تستخدم الأساليب المعتمدة على السلوك العنيف، فقد لجأت للعنف الرمزي والسخرية. 

أصبح الفن والفنانين ومنهم أسماء كبيرة حديث الناس على وسائل التواصل الاجتماعي.

وباتت الأدوار مقلوبة، فبدلا من أن تحاول الصفوة تحسين طريقة تفكير  الوعي الشعبي المعاصر، عبر مقاومة النخب العشوائية الجديدة التي حصدت الشهرة والمال عن طريق الأساليب العشوائية، وليس آخرها السباب المتبادل بشكل واقعي. 

جاء الوعي الشعبي ليحاول تعديل سلوك النخبة المستحدثة. 

مما يجعل الوعي الشعبي الحقيقي المتماسك هو الأصل الحقيقي في تعديل سلوك المشاهير. 

لعلها الأيام التي ننتظرها كي تعود الصفوة الحقيقية إلى حضورها القديم الطبيعي، وإن كان الإنتاج الفني الكبير يحمل منذ النصف الثاني من القرن العشرين في مصر صفة الشعبية والجماهيرية والعمومية إلا فيما ندر. 

فقد ازدادت تلك الصفة الجماهيرية للإنتاج الفني الكبير مع بدايات القرن الحالي وبشكل مطرد. 

إلا أن الصفوة الحقيقية ستعود لمكانتها وبقوة الطلب والضغط الشعبي، والذي عبر عن غضبه واضحاً بأكثر من طريقة، فهل يدرك أهل الفن ذلك. 

أعتقد أنها أيام مناسبة للتغيير، كي تبقى الصفوة الحقة كما كانت قادرة على استعادة دورها المؤثر الفاعل في مشروعات التحديث والتطوير والتقدم التي تحدث في مصر الآن.          

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز