عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

د. عادل القليعي يكتب: قراءة في واقعنا الثقافي المعاصر.. تصورات ورؤى

د. عادل القليعي
د. عادل القليعي

ما الفرق بين الحوار الثقافي، وثقافة الحوار؟



ما حال واقعنا الثقافي؟ وما رؤيتنا له؟

وما مقومات وركائز النهوض به؟

بداية لا بد، أن نقدم تعريفا للمصطلحين.

فما المقصود بثقافة الحوار؟

ثقافة الحوار، من وجهة نظري، هي فهم واستبصار، وإدراك الموضوع محل المناقشة، ثم إدارة الحوار بموضوعية مع طرح الذاتية وعرض رأيك مع فتح قناة تواصل مع الآخر والإنصات إليه باهتمام، والدخول معه في حوار بنَّاء من خلال عرضه لرأيه، ووجهة نظره مهما تباينت.

أما الحوار الثقافي، فهو عبارة عن اختيار نقطة محورية بموضوع ما سواء أكان هذا الموضوع سياسيا، أو اجتماعيا، أو اقتصاديا، أو سيكولوجيا مع دعوة أهل التخصص؛ لتبادل الآراء والأفكار من خلال تنظيم حلقة نقاشية أو بحثية أو ندوة أو أي مسمى آخر - أمسية، مثلا- ويدير الحوار محاور بارع يتملك زمام الحلقة النقاشية ويتوغل في أحشائها دون أن تطغى فكرة في الحوار على أخرى ويكون متوازنا في إدارة الحوار متسما بالموضوعية والحرفية، والأمانة المهنية؛ حتى لا يطغى أحد على الآخر.

والغرض من المصطلحين الخروج بحوار بنَّاء من الممكن أن نستفيد بما يقدمه من آراء وأفكار وأطروحات، ومعالجات ونتائج للوصول لحلول ناجعة لكثير من مشكلاتنا، التي تمس واقعنا المعيشيّ، كمشكلة القطيعة المعرفية، أو التفكير الأحادي الجانب، أو العزلة الفكرية، أو مشكلة التبعية الممقوتة، أو النزعات التشددية عند أصحاب بعض الديانات السماوية، أو الوصاية الفكرية المتمثلة سلبيا- فعل أو لا تفعل- أنا الذي أفكر لك، أنا الذي أكتب لك، أنا الذي أخطط لك، من دوني لا تستطيع أن تحيا.

أو محاولة الآخر بسط هيمنته عليك، كالذي يحاول الغرب المتطرف أن يفعله مع أبناء العالم الثالث، أو كما يدعي بعض المستشرقين من مقولة (الغرب المتمدن، والشرق المتخلف).

وهذا الطرح يجسد واقعنا الثقافي المعاصر، لا جديد، لا جدية، لا نية للتغيير للأفضل، العود القهقرى إلى الخلف، وركب التقدم التقني والعلمي العالمي في واد ونحن ندور في فلك واحد دوران الفرجار في الدوائر متحدة المركز، ماذا سيقدم لنا في الندوات والمؤتمرات، كم سيدفعون لنا نظير الظهور على شاشات الفضائيات، والكل مدان، لا استثني أحدا وأنا أولهم. الجميع لهم مآرب أخرى، إما سلطة أو شهرة أو نفوذ وجاه، والنتيجة انهيار تام أو شبه تام لصرح الثقافة، وتدمير موروثنا الثقافي الذي توارثناه من آبائنا، وأجدادنا وأسلافنا.

ومما يثير الدهشة والعجب، أن يهمش أصحاب الأقلام ذا الفقارية التي تكتب بغية الإصلاح، بغية التنوير، بغيرة نشر الثقافة الحقيقية، الثقافة الجماهيرية، التي تصل من خلالهم إلى المدن والقرى والنجوع.

السيدات والسادة، لا أخفيكم سرا، كثيرة هي مشكلاتنا المعاصرة، إذا أردنا الكتابة عنها لا تكفينا مقالات كثيرة ومقالات، فواقعنا متجدد سيال متدفق، وقضايانا لا تنتهي طالما أن هناك كائنا حيا اسمه إنسان، فإنسان اليوم ليس هو إنسان الأمس وإنسان الحاضر دأبه وديدنه السعي الدؤوب (الدءوب)، لأن يكون إنسانا ينطلق إلى آفاق جديدة.

وتحضرني مقولة للفيلسوف الأبيقوري (أبيقور) مؤسس المدرسة الأبيقورية في العصر الهيلينستي الذي غلبت عليه روح حضارات الشرق بنسكه وزهده، يقول أبيقور: "التحرر من المستقبل عبودية للحاضر" فلا تقوقع، ولا تمركز، وأكرر عبارتي سالفة الذكر "ولا لف كفرجار مثبت المركز، يلف في دوائر متحدة المركز"، وإنما يطالبنا أبيقور بالانطلاق خارج الدائرة والتفكير خارج الصندوق، من أجل الوصول إلى المستقبل بآماله، وطموحاته.

هل حقا، ونحن أبناء القرن الحادي العشرين، نفتقد هذين المصطلحين، ثقافة الحوار والحوار الثقافي؟

أقول: تعالوا معي إلى ما يحدث في الندوات العلمية المصغرة، أو حتى المؤتمرات المحلية والدولية على حد سواء، المنصة منعقدة أوراق بحثية من هنا وهناك، قاعة حافلة بجمهور من شتى صنوف المعارف.

نبدأ بالباحث ونجابهه بسؤال: لماذا أتيت إلى هذا المؤتمر هل حقا، لأنك تريد أن تحاور الآخر وتستفيد منه وتفيده فكريا، أم أنك أتيت إلى هنا؛لتحصل على جواز مرور لترقيتك، إن كان صريحا مع ذاته، ومعك سيقول لك الحقيقة.

نترك الباحث قليلا، ونتجه صوب رئيس المنصة، أول شيء يبدأ كلمته بهالات من الترحيب والترحاب وأشكر وأشكر وأشكر ويضيع نصف الساعة في الشكر ثم يقدم الباحث قائلا: اعرض يا فلان ورقتك البحثية، فيما لا يزيد على ربع الساعة، يا سيدنا قدمت نفسك وشكرت العالم في أكثر من نصف ساعة وتطلب من الباحث أن يقدم بحثه فيما لا يزيد على ربع ساعة، وهكذا دواليك مع كل من علي المنصة.

أو بأسلوب فكاهي، فكاهة نكدة، عاوزين نخلص "عشان البوفيه والغداء"

السؤال ما الذي استفاده الحضور؟! أي استفادة، وأي ثقافة، وأي حوار. لا ثقافة حوار، ولا حوار ثقافة.

تجد الباحثين يتسابقون مع الزمن حتى لا تمر الربع ساعة، أي فكرة يريد أن يوصلها للحضور فشل يعقبه فشل سيتبعه فشل. نأتي إلى فتح باب الحوار، الحوار الثقافي وثقافة الحوار،

الحاضرون، الرفاق حائرون، يفكرون، يتسألون يريدون أن يسألوا، يرد رئيس المنصة- رئيس الجلسة- سنأخذ عددا محدودا من الأسئلة، لماذا عدد محدود؛ لأننا مرتبطون بموعد الراحة والغداء (الأوبن بوفيه) ومواعيد سفر الأساتذة.

يا أستاذنا، يا صاحب المقام غير الرفيع، لم نقطع كل هذه المسافات؛ لنأكل ونشرب، وإنما أتينا للاستفادة لمحاولة الوصول، لحلول للقضايا التي تلمس واقعنا لمسا حقيقيا.

ثم نأتي إلى جلسة الختام والتوصيات، تجد لا نتائج ولا توصيات، وإنما تحصيل حاصل، أو بأسلوب راقٍ مهذب تلخيص وإجمال لوقائع الجلسات، طبعا لا أعمم أحكامي، فهناك مؤتمرات مثمرة جدا تخرج بنتائج مفيدة وبناءة ليس الغرض منها التعارف بين الحضور، والتقاط الصور التذكارية، وإنما هدفها بناء حوار ثقافي حضاري يخرج بنا من دائرة القطب الأوحد إلى الإنصهار والذوبان في أقطاب كثيرة، ومن أجل إثراء الحوار الثقافي وإثراء ثقافة الحوار، قل رأيك وأنا أسمعك نفكر سويا بصوت مرتفع، اسمعني وأسمعك، أعرني انتباهك وأعيرك انتباهي، فهكذا تبنى الأمم، بناء فكريا يؤدي بنا في نهاية المطاف إلى أن نقول: نحن والآخرون والآخرون ونحن، جميعنا نعيش على كوكب واحد الكل يفكر، الكل يعمل عقله خذ عني وآخذ عنك.

الأحبة الكرام لست بأفضل منكم وإنما نفكر سويا بصوت عالٍ مرتفع

صرخة قلم حر مستنير مفكر مهموم بواقعنا الثقافي، نحاول معا أن نخرجه من مأزقه ومن كبوته.

السيدات والسادة، الفكر يا سادة ليس له دين، ولا وطن يوجد الفكر متى وجد الإنسان.

فللنهوض بثقافتنا والحفاظ على هويتنا، يجب أن تتضافر كل الجهود وتتشابك أيدي كل من هو مهموم بثقافتنا، أملا في مستقبل أفضل لثقافتنا العربية التي هي طريق للحفاظ على هويتنا.

 

أستاذ الفلسفة الإسلامية

آداب حلوان

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز