عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

بيئةُ الصحراء وأثرها في العمارة الإفريقية

د. إسماعيل حامد
د. إسماعيل حامد

  لعبت البيئةُ الصحراوية دورًا مهمًا في تشكيل الأنماط والطرز المعمارية بصفة عامة، والتي كانت قد برزت في العديد من ممالك غرب إفريقيا منذ أقدم العصور، وشَّكل "الطينُ"، أو قوالب "الطوب اللبن "Mud –Brick المادة الأساسية في البناء في أكثر مدن جنوب الصحراء، ولعل ذلك بسبب طبيعة البيئة التي تهيمن عليها الصحراء، وطغيان الرمال على أكثر مدنها. 



  

وكذلك نظرًا لقلة الجبال في هذه البلاد، ولا شك أن الجبال في حالة وجودها، كان يمكنها أن توفر الكتل والأحجار المقطوعة من الصخور، والتي يمكن أن يستخدمها هؤلاء السكان المحليون في البناء في حالة توافرها. 

  

وعلى أي حال ساهمت البيئة في توافق واضح بين العمارة وطرز البناء في غرب إفريقيا، وبيئة الصحراء المحيطة بها، واعتماد سكان تلك المدن على الطوب اللبن بشكل أكبر بدلًا من الصخور وكتل الحجر في البناء، وإن ظل استخدام الأحجار موجودًا في العديد من المباني بهدف إعطاء البناء قوة وصلابة تقاوم ظروف الطبيعة، وتأثيرات الزمن.

  

ومن المؤكد أن البيئة ومواد البناء التي توفرها لعبت دورًا مهمًا في البناء في جنوب الصحراء، وهو ذات الأمر الذي يحدث مع أكثر الشعوب القديمة التي لها بيئة مشابهة عبر التاريخ. 

  

ويمكن القول بأن الصحراء وطبيعتها فرضت على سكانها ما يمكن أن تقدمه تلك البيئة، ولهذا توسع البناؤون الصحراويون في استخدام "الطين"، أو تلك الأنواع من القوالب الطينية المأخوذة من رمال الصحراء، وذاع هذا الطراز في هذه البلاد، وأقاليمها المترامية. 

  

وكان منطقيًا أن يشيد السكان المحليون في غرب إفريقيا البيوت والقصور على اختلاف أشكالها وأحجامها، والمساجد ذات الحجم الهائل من الطين المأخوذ من رمال الصحراء المجاورة لهم، إضافة إلى تشييد القبور التي أقاموها. 

  

ولا ريب أن الفنون الإفريقية بشتى صنوفها- سواء كانت فنون العمارة والبناء، أم الرسوم، أم النقوش، أم المنحوتات.. إلخ- تبقى دومًا لها خصوصيتها، وطبيعتها المحلية التقليدية، وكذلك قيمها الجمالية، لا سيما عندما يتوافق هذا الفن مع البيئة المحيطة به، وهو ما يشكل تلك الحالة من التوافق العمراني بين كل من الإنسان وبيئته المحلية.     

  

ويذهب البعضُ إلى أن الفن الإفريقي لم يكن فنًا عشوائيًا بالمرة، كما قد يظن البعضُ من ذوي الفكر المحدود، بل إن هذا الفن ظهر بدوره ليخدم قضايا مهمة ترتبط بهذا الإنسان الإفريقي الذي صنع وابتكر هذا النوع من الفن، وكذلك البيئة المحلية التي يعيش فيها. 

  

ويبدو من أبرز أصحاب هذا الاتجاه المؤرخ الإفريقي "عنتا ديوب"، وهو الذي يذكر تأكيدًا لرؤيته: "لطالما كان الفن الإفريقي في خدمة قضية اجتماعية كما يجب أن يظل عليه، وبالتالي لطالما توصل الفنان الإفريقي إلى ما هو جميل".

  

ولدينا العديد من النماذج الرائعة للبناء الإفريقي التقليدي المُشيد من قوالب الطين، ويمكن القول بأن "مسجد جني"- على سبيل المثال- يُشكل أكبر بناء في العالم مبني من الطين المكون من رمال الصحراء، أو من "الطوب اللبن".

  

ويُعد هذا البناء أحد أروع نماذج "العمارة الطينية" في غرب إفريقيا، ويبدو من جهة أخرى أن المدن الكبرى في غرب إفريقيا، ولعل أبرزها: "جني" وجاو، وتمبكتو (تنبكت).. إلخ، كانت تتميز بتنوع معماري تقليدي لافت يتوافق بشكل كبير مع البيئة الصحراوية التي تقع فيها تلك المدن والحواضر، وهو ما يبدو في ضوء الآثار والمنشآت المعمارية الباقية في أطلالها القديمة.

  

ولعل ذلك مما يعطي العمارة المحلية، لا سيما "العمارة الطينية" التي شيدت في تلك المدن خصوصية، ويجعل من ذلك الطراز تراثًا محليًا له بصمته التي تميزه. ويبدو في منازل وبيوت المدن الكبرى في غرب إفريقيا بعض التأثيرات "العربية- الإسلامية" البارزة بشكل لا يمكن تجاهله، أو غض الطرف عنه بأي حال، من خلال وجود بعض التأثيرات من العناصر المعمارية سواء تلك التي ذاعت في بلاد المغرب وشمال إفريقيا، وبلاد الأندلس، أم كانت تأثيرات مشرقية وافدة من بلاد المشرق الإسلامي لا سيما من أرض مصر. 

  

ولا شك أن هذا أمر يبدو طبيعيًا، بفضل ازدهار حركة التجارة بين شمال وجنوب الصحراء، وهو ما زاد بدوره من حركة الهجرات المتبادلة، وحتمية وجود التأثير والتأثر بين السكان في مصر وشمال إفريقيا والأندلس من ناحية، وسكان جنوب الصحراء من ناحية أخرى، وهو الأمر الذي سوف نتوسع في الحديث عنه في الفصول التالية.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز