عاجل
الأربعاء 6 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
المشروعات القومية مؤتمر المناخ في مصر
البنك الاهلي
بعيون المبعوث الأمريكي .. القدرة المصرية والتغيرات المناخية

بعيون المبعوث الأمريكي .. القدرة المصرية والتغيرات المناخية

في الحادي عشر من أكتوبر عام ٢٠١٧، كانت أولى زياراتي للعاصمة الإدارية الجديدة، التي دشن الرئيس عبد الفتاح السيسي، مرحلتها الأولى، في ذلك اليوم، وقد أقيمت فيها إنشاءات فعلية من طرق وفندق الماسة؛ لاستقبال الفعاليات والمستثمرين خلال مواصلة بناء المرحلة الأولى التي قدرت كلفتها الاستثمارية بـ6 مليارات على قرابة 10 آلاف فدان، كانت صحراء جرداء بدأت فيها بعض الشركات الإنشاءات.



 

وتمر السنوات، التي تواصل فيها سواعد الأبطال البناء، ليفتتح في يناير 2019، بيوت الله مسجد الفتاح العليم، وكاتدرائية ميلاد المسيح، الأكبر في إفريقيا والشرق الأوسط، في رسالة واضحة وجلية على نهج الجمهورية الجديدة، دولة المواطنة، والتي تتوكل على الله دون تواكل.

 

وتوالت الزيارات التي تفصل بينها بضعة أشهر، لنشهد تنامي العمران واكتمال أجزاء إضافية من صورة تلك المدينة الذكية، التي تعد إعجازًا وغيرها 19 مدينة ذكية أخرى في ربوع مصر كافة.

في الزيارة الأخيرة قبل الأربعاء الماضي ٧ سبتمبر، كانت الفعالية غير ما سبقها، فتلك العاصمة الإدارية الجديدة تستضيف قيادات من مختلف أنحاء العالم، خاصة الأمم المتحدة، ووزراء المالية والاقتصاد والبيئة الأفارقة.

 

هناك في تلك الأرض التي كانت صحراء قبل العام 2014، دبت الحياة، وتنامت الأبراج، وافتتحت مقرات الوزارات الحكومية والمنشآت البرلمانية، ومديرية أمن العاصمة، ومقرات عدد من البنوك، والسفارات، والجامعات الدولية، فيما يتسابق الجادون من الشركات في إنجاز منشآتهم.

 

كانت الفعالية التي افتتحها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحظيت برعايته، هي النسخة الثانية من منتدى مصر للتعاون الدولي والتمويل الإنمائي واجتماع وزراء المالية والاقتصاد والبيئة الأفارقة، بتنظيم من وزارة التعاون الدولي، بقيادة الوزيرة النشيطة الناجحة الدكتورة رانيا المشاط.

 

في تلك الفعالية، التي تبعد 60 يومًا عن استضافة مصر لأكبر وأهم حدث عالمي يحظى بمشاركة دولية رسمية ومن ممثلي المجتمع المدني،- cop 27 مؤتمر الأطراف للتغيرات المناخية بشرم الشيخ- كانت المصارحة والمكاشفة والشهادات التي تنبئ بتنامي القدرة الشاملة المصرية.

 

وفي الوقت ذاته طبيعة المخاطر التي تهدد كوكبنا، وفي القلب منه الدول الإفريقية، الأمر الذي يجعل بذل الدول كافة جهودها لتخفيف الانبعاثات الكربونية وإجراءات التكيف مع التغيرات؛ ضرورة حتمية للبقاء.

 

بنشاط وخفة، صعد جون كيري وزير خارجية أمريكا السابق، ومبعوثها للمناخ، عند دعوته لإلقاء كلمته في حفل الافتتاح، تلك الكلمة التي لم تعكس فقط قدراته الخطابية، بل ما مقدار الشفافية، والأرقام الصادمة التي سيدفعها العالم كلفة للآثار السلبية للتغيرات المناخية.

استهل المبعوث الأمريكي حديثه، بشكر الدولة المصرية والرئيس عبد الفتاح السيسي، على ما يبذل من جهود لإنجاح قمة المناخ المقبلة، التي تستضيفها مدينة شرم الشيخ.

 

لينتقل للحديث عن تحديات القضية التي خبرها منذ كان مفاوضًا باسم أمريكا في الثمانينيات، في مؤتمر باريس، الذي شهد أهم الاتفاقيات المناخية.

 

كيري قال إن 20 دولة فقط حول العالم مسؤولة عن 80% من الانبعاثات الكربونية الملوثة للمناخ، بينما في المقابل 48 دولة في القارة الإفريقية خالية، لا يصدر عنها انبعاثات، فجميعها تطلق فقط 0,5% من انبعاثات العالم.

 

لكن المفارقة أن إفريقيا والدول النامية التي لا تتحمل مسؤولية الغالبية العظمى من الانبعاثات، هي- وفي القلب منها مصر- أكثر دول العالم تضررًا من الآثار السلبية للتغيرات المناخية، وهنا تكمن القضية، في ضرورة تحمل الدول الصناعية الكبرى- وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والصين والـ18 دولة الأخرى كثيفة الانبعاثات- مسؤوليتها في تحمل كلفة دعم الدول النامية على التكيف.

 

جون كيري لم يعفِ أمريكا والصين من المسؤولية، فالأولى تصدر 13% من الانبعاثات الكربونية عالميًا، والثانية وحدها ينبعث منها 30%، يليهما الهند والاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية وغيرها من الدول الصناعية.

 

مصر لا تعد الانبعاثات الكربونية فيها تحديًا، فهي تنتج 0,6% فقط من الانبعاثات الكربونية العالمية، أقل بكثير من 1%، لكنها وغيرها من دول القارة الإفريقية والدول النامية حول العالم تتحمل كلفة بالغة من تهديدات الآثار السلبية، وهنا نواجه قضية العدالة المناخية.

 

تلك العدالة التي تستوجب من الدولة الواحدة دعم تكيف أبنائها الأكثر عرضة لآثار تلك التغيرات، كالمدن الساحلية، والفلاحين الذين تتأثر زراعاتهم سلبًا، وكذلك تحمل الدول الصناعية الكبرى المسؤولة عما يواجه العالم من تحديات، مسؤوليتها في دعم الدول النامية الأكثر تضررًا، بدعم رفع قدراتها على التكيف والحد من الآثار السلبية للتغيرات المناخية.

 

لا ينكر جون كيري هذا الحق، بل يؤكد أن مبلغ 100 مليار  دولار، الذي حددته قمة جلاسكو لدعم الدول النامية للتكيف، لا يمثل سوى "فلس واحد" من الاحتياج الفعلي للدول النامية للتكيف، والذي يتراوح بين 2.5 و3 تريليونات دولار خلال الثلاثين عامًا المقبلة.

 

لكن حتى الـ100 مليار دولار لم تفِ الدول الصناعية سوى 40% من التزاماتها المحدودة، لتصبح كلفة الكوكب من البشر 15 مليون وفاة بسبب التغيرات المناخية والتلوث، بحسب كيري.

 

أمريكا كذلك تدفع أثمانًا باهظة، فقد أعلن كيري أن الخسائر الأمريكية جراء ٩ أحداث مناخية العام الماضي فاقت المليار دولار، في حين ضربت ثلاث عواصف أمريكا فكلفتها 265 مليار دولار.

 

كيري يعترف بأن 18 دولة إفريقية هي الأكثر تضررًا من التغيرات المناخية، وعلى أمريكا مضاعفة دعمها، لكنه عاد وأكد أن العالم يدرك الآثار السلبية للأزمات السياسية على اقتصاديات العالم، معتبرًا أن تحفيز القطاع الخاص على الاستثمار في مشروعات اقتصادية خضراء أهم الحلول للدعم؛ لتخفيف الانبعاثات والتكيف.

 

في جلسة للوزراء، المسؤولين الدوليين، ووزراء الدول الإفريقية حول مبادرة نوفي المصرية، حضرها المهندس مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء ووزراء الخارجية والكهرباء والطاقة والبيئة، المصريون والأفارقة، شرفت بحضورها، أكد جون كيري أن مشروع نوفي المصري "ذكي جدًا".

 

و"نوفي"، برنامج أطلقته الحكومة المصرية، للتمويل والاستثمار في مشروعات المناخ، وفق منهج متكامل بين قطاعات المياه والغذاء والطاقة، عبر مشروعات خضراء صديقة للبيئة وتعزز من قدرات الدولة على تخفيف الانبعاثات الكربونية وإجراءات التكيف.

و"نوفي" كما أوضحت الحكومة المصرية، خلال اللقاء، لممثلي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والبنوك الممولة، تعني أننا نوفي بما علينا من التزامات دولية في مجالات التخفيف والتكيف.

 

جون كيري قالها صريحة في هذا الاجتماع "نوفي" مشروع ذكي جدًا، لأنه يخدم عبر مشروعاته التنمية الخضراء في مصر، ويواكب تنامي اعتماد أوروبا على الغاز، الذي يمكن لمصر إمدادها به، ويعظم من قدرة مصر على تصدير الطاقة لما لديها من مشروعات الطاقة المتجددة، وهو ما يحقق لمصر في الوقت ذاته احتياجاتها من النقد الأجنبي.

 

وهنا يؤكد المبعوث الأمريكي، نجاح خطط مصر في تعزيز قدراتها من خلال اكتشاف حقل ظهر ومحطات توليد الطاقة الشمسية في بنبان وطاقة الرياح، وغيرها من المشروعات التي جعلت مصر قوة إفريقية وإقليمية مصدرة للطاقة.

والمؤكد وفق المبعوث الأمريكي، أن أمريكا وأوروبا، تعمل على استبدال البترول الروسي والأوكراني بالغاز لتخفيف الآثار السلبية للحرب الروسية في أوكرانيا.

 

لم تكن شهادة جون كيري وحدها التي تعكس نجاحات مصر في التنمية الشاملة، وآثار تلك التنمية في تخفيف الآثار السلبية للأزمات العالمية، وتعظيم فرص مصر المستقبلية، بل أكدتها أمينة محمد نائب الأمين العام للأمم المتحدة، التي شددت على أن دول العالم في حاجة إلى تعزيز قدراتها على الصمود في مواجهة الآثار المناخية المتزايدة.. مشيرة إلى استعداد الأمم المتحدة لتقديم الدعم الكامل لمصر، لتعظيم استثماراتها في الطاقة النظيفة.

 

الدكتورة أوديل رينو باسو، رئيس البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، تطرقت في حديثها عن أهمية الشراكات والتعاون في مواجهة التغيرات المناخية، أن البنك الأوروبي لديه شراكات كبيرة في مصر بدأت منذ عشر سنوات، وتنامت ليبلغ حجم الاستثمارات في مصر 10 ملايين دولار أمريكي.

 

لتؤكد أن إفريقيا بشكل عام، ومصر بشكل خاص، أنعم الله عليها بمصادر طاقة كبيرة يمكن استثمارها، من خلال العمل مع البنك الأوروبي والقطاع الخاص كشريك رئيسي في التنمية في مجال الطاقة والغذاء ومنصة مصر شريك مهم قادر على تحقيق نجاحات في مشروعات الطاقة الخضراء.

 

وكما أشار جون كيري، أشارت "باسو" إلى الفرص المصرية الواسعة للاستثمار في الطاقة المتجددة والغاز؛ لتكون نموذجًا يحتذى إفريقيًا وعالميًا.

 

وهنا يتضح أن نجاحات التنمية الشاملة المصرية ومشروعات الطاقة المتجددة، ورفع كفاءة حقول الغاز واكتشاف حقل ظهر، بعد ترسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان، عظّم من قدرة مصر، وجعلها مقصدًا أوروبيًا لتوفير احتياجاتهم من الغاز في ظل الحرب الروسية الأوروبية في أوكرانيا.

 

وهنا علينا استثمار ذلك الزخم العالمي في جذب استثمارات في مجالات الطاقة الخضراء، وتقليص اعتمادنا على الغاز في محطات توليد الكهرباء، لاستثمار الفائض في التصدير، ومواصلة تطوير البنية التحتية والتحول التدريجي للمركبات التي تعمل بالكهرباء والطاقة الشمسية.

 

مصر تجني ثمار جهود ثماني سنوات، عبر خلق فرص استثمارية جديدة، وقبل ذلك تعزيز قدرات مصر على تخفيف آثار الأزمات العالمية، والتكيف مع آثار التغيرات المناخية، مصر بإذن الله على الطريق الصحيح بشهادة عالمية.  

[email protected]  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز