عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

د. عادل القليعي يكتب: المنهج النقدي وضوابطه

نعم كثيرة هي المناهج التي تستخدمها العلوم، سواء العلوم النظرية أو العلوم العملية، لكن الأهم من كثرة هذه المناهج هو كيفية استخدام هذه المناهج وتوظيفها التوظيف الصحيح للخروج بمنتوج فكري راق على كافة مستويات وأصعدة البحوث العلمية التي يقوم بإعدادها الباحثون سواء في مرحلتي الماجستير أو الدكتوراه أو في المراحل التمهيدية التي تسبق التسجيل للدرجات العلمية والدبلومات العليا،  أو حتى في مرحلة الليسانس، أو في مراحل التعليم الإلزامي.



ولم لا والجميع ينادي ويطالب بإحداث نهضة علمية وتصحيح مسار للعمليات التعليمية في كل مراحل التعليم التي أصبح حالها مرساة، إلا ما رحم ربي، القابضون على الجمار، لكن حتى تقال هذا العثرات وتحدث الغاية المرجوة ونجد ضالتنا المنشودة وتتحقق بغيتنا، فلا بد من إعادة البناء، إعادة الهيكلة، لن أتحدث عن هيكلة التعليم والمؤسسات التعليمية وخلافه، لأنني كتبت عن ذلك كثيرا- راجعوا محرك جوجل إن شئتم- وإنما ما أتحدث عنه ها هنا هو هيكلة فكرية، فقد يبدو المصطلح غريبا إلى حد ما، فهل لنا أن نعيد هيكلة الفكر، نعم نعيد هيكلة الفكر، فالفكر يعتمد على العقول والعقول أعدل الأشياء قسمة بين الناس، نعم ولكن التفاوت والاختلاف في توظيف هذه العقول، وهنا تأتي عملية الهيكلة، عن طريق إعادة تكوين هذه العقول التي ارتاضت واعتادت على المدرسة التقليدية الكلاسيكية، أكتب ما يملى عليك، لا يا سادة لا نكتب ما يملى علينا وإنما نكتب ما تمليه علينا عقولنا، فنحن من يمسك القلم بيديه، لا الأقلام هي التي تمسك بيدنا، نحن الذين نفكر ولا أحد يفكر لنا دونما تقليل من خبرات الكبار، نحن لا نقلل من الكبار ومن فهمهم وعلمهم وعملهم، لكن ما المانع أن نعاود قراءة هؤلاء بفكر معاصر مستنير يواكب العصر وتطوراته وحداثته ونحن الآن نعيش في عالم يعج بالفكر الحداثي والتقدم التقني والسموات المفتوحة، إذا لا بد أن يكون لدينا انفتاح على هذه الثورة المعلوماتية وإلا سيحدث لنا ما لا تحمد عقباه سيندرس رسمنا وستنسحق هويتنا وستتحطم ذواتنا ولن يكون لنا كيان وجودي.

نعم ضرورة ملحة فرضتها ظروف العصر ومتغيراته، هذه الضرورة هي المواكبة والمعاصرة دونما إخلال بثوابتنا وبقيمنا ودونما عبث بمقدراتنا وبهويتنا الفكرية التي إذا ما حدث تواصل مع الآخر ستزداد نموا وازدهارا.

نعم إذا أردنا صحوة فكرية وهيكلة فكرية حقيقية لا بد ننتهج منهجا فكريا دقيقيا يتحول بنا من مرحلة القص واللصق إلى مرحلة الرأي الحر الواعي المستنير إعمالا وتفعيلا لظاهرة التأثير والتأثر.

نعم كثيرة هي المناهج فلدينا المناهج التجريبية التي تعتمد على الملاحظة والتجربة والتي استخدمها علماؤنا قديما فنجد رشيد الدين الصوري استخدم هذا المنهج وهو عالم عربي من علماء النبات استخدم الملاحظة ملاحظة تطور النبات في الأرض عن طريق رسم النبت في الأرض وهي برعم على سطح الأرض إلى أن تزهر.

كذلك لدينا المنهج الوصفي، المنهج التاريخي وتتبع الأحداث تاريخيا فنتحول من التاريخانية إلى التأريخية (صنع التاريخ)، كذلك لدينا المنهج التحليلي والذي يستخدم في تحليل أفكار الفلاسفة والوقوف على رأي كل فيلسوف على حدة في دراسة أفكاره وماذا يريد أن يقدم لنا وهل سنوظف هذا التحليل التوظيف الأمثل متخذين الحيطة والحذر وكذلك متوخين الموضوعية وطرح النزعة الذاتية وإلا لن نصل في بحوثنا إلى النتائج المرجوة.

ثم لدينا المنهج المقارن، مقارنة بين أفكار الفلاسفة، بين أفكار العلماء، بين أفكار اتجاهين مختلفين قد يربط بينهما خيط رقيق لا يراه الناظرون، لكن يراه الباحثون المنقبون، كالمقارنة بين اتجاه مشائي أرسطي ينتهج المنهج العقلاني، واتجاه إشراقي حدسي صوفي سواء حدس عقلي أو حدس قلبي نوراني.

أو بين فكر مدارس المشرق الفلسفية، ومدارس المغرب الفلسفية، إذا ما حدث ذلك سنخرج من الركود الفكري والعطب الذهني الذي كاد أو أوشك أن يعصف بنا ويفقدنا هويتنا الفكرية والثقافية، إذا ما حدثت مثل هذه المقارنات سيصبح فكرنا حركيا ديناميكا مستمرا يؤثر في الذي سيلحق بنا وسيجعله يواصل المسيرة واقفا على أرضية فولاذية لا يحيد ولا يميد عن الجادة والصواب.

ثم لدينا المنهج النقدي الذي هو روح الفكر والدينامو المولد للطاقة في حياتنا الفكرية والعلمية، منهج نقدي أقول ولا أقول منهج نقضي هدام، فنحن ننقد على أسس ودعائم وركائز، ننقد لا من أجل النقد أو من أجل الشو والاستعراض الإعلامي وإثبات الوجود إذا كان ذلك كذلك فوجودك ها هنا هو والعدم سواء وسيتلاشى هذا الوجود الوهمي.

ننقد على أسس صحيحة عن طريق تقديم الدليل العقلي والمناقشة الموضوعية السليمة، عن طريق عرض الرأي والاستماع إلى الرأي الآخر، ننقد مقدمين الحجة والدليل الثابت ثبوتا قطعيا يقينيا موثقا توثيقا دقيقا.

أيضا لا بد أن يكون لدينا اطلاع جيد على الموضوعات المطروحة للمناقشة والتي تخضع للنقد، حتى نستطيع تفنيد أفكارها تفنيدا جيدا من أجل الوصول نقد بناء يستفيد منه الناقد ذاته والمنتقد، والذين سيقدم له هذا الفكر.

هذا المنهج النقدي إذا ما طبقناه تطبيقا منضبطا أكاد أجزم أن حالتنا الفكرية ومساراتنا الفكرية على كافة الأصعدة والمستويات والأنشطة السياسية، الاقتصادية، الثقافية، العلمية، الدينية خصوصا الدينية، سيحدث ذلك صحوة ونهضة دوما ما كنا نحلم بها لأمتنا العربية والإسلامية، نهضة تعيدنا سيرتنا الأولى، خير أمة أخرجت للناس.

بل وستتحق المعادلة التي كان يظن البعض أنها صعبة التحقيق ورموزها عصية الحل، ستتحقق التنمية الشاملة والمستدامة لبلدنا الحبيب مصر، ولأمتنا العربية والإسلامية التي أدعوا الله أن تستفيق من سباتها وتلملم شعثها وتتحد أقطابها ويتوحد قادتها تحت شعار واحد، أمة واحدة تدين لرب واحد معملة شعار رفعه الله تعالى من فوق سبع سموات (وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) (وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون)

فهل انتهجنا منهجا نقديا لا نقضيا، منهجا أساسه البناء لا الهدم.

هل لبينا نداء الله تعالى أمة واحدة شعارها ورايتها الاتحاد قوة والتشرذم ضعف ووهن.

 

أستاذ الفلسفة الإسلامية آداب حلوان 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز