عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
آلام الجسد الواحد والدولة الحديثة

آلام الجسد الواحد والدولة الحديثة

اعتصر قلوب المصريين الحزن على ضحايا مصابنا الأليم، 41 شهيدًا من الأطفال والعباد، في حريق كنيسة إمبابة، وإصابة 16، من بينهم ضابطان وفردا شرطة.



 

شعب مصر كالجسد الواحد، أصيب بمحنة منه عضو، فتداعى سائر الجسد يتألم لألمه، ويحزن لحزنه، يتضامن للحد من آثار الحريق المروع، ورغم عظم المُصاب وفداحة الحادثة، إلا أن الكارثة الإنسانية، عكست قدرات وسمات الجمهورية الجديدة في التعامل السريع مع الأزمات. 

 

 

فلم تمر دقائق معدودات على اندلاع حريق كنيسة "الشهيد العظيم فيلوباتير مرقوريوس أبو سيفين" بإمبابة، صباح أمس، إلا وكانت كل أجهزة الدولة المصرية تتعامل مع الأزمة بأعلى درجات السرعة والكفاءة لتخفيف آثارها، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتقديم كامل الدعم لأسر الضحايا والمصابين.

 

 

لم تمر دقائق، حتى أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي على صفحته الرسمية، متابعته الحادث الأليم عن كثب، موجهًا جميع أجهزة ومؤسسات الدولة المعنية باتخاذ كل الإجراءات اللازمة، وبشكل فوري للتعامل مع هذا الحادث وآثاره وتقديم جميع أوجه الرعاية الصحية للمصابين، متقدمًا بخالص التعازي لأسر الضحايا الأبرياء، الذين انتقلوا لجوار ربهم في بيت من بيوته التي يُعبد بها.

 

 

كان الضحايا يعبدون الله في بيت من بيوته، وكان الأطفال الأبرياء في دار حضانتهم، عندما اشتعلت النيران بفعل ماس كهربائي، بحسب المعلومات التي تضمنها بيان النيابة العامة: "شهود بموقع الحادث أشاروا إلى أن سبب الحريق ماسٌّ كهرُبائي بجهاز لتوليد الكهرُباء، والنيابة العامة ندبت الإدارة العامة لتحقيق الأدلة الجنائية لرفع الآثار لبيان سبب الحادث وكيفية وقوعِهِ".

 

 

وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي، يجتمع برئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي و13 وزيرًا جديدًا بالحكومة، عقب أدائهم اليمين الدستورية أمام الرئيس.

 

 

أدى الوزراء الجدد القسم في القصر الرئاسي بمدينة العلمين الجديدة، بما لذلك من دلالات، حكومة جديدة في مدينة جديدة، أحد إنجازات الجمهورية الجديدة.

 

 

رسالة مُفادها أن مصر تنمو حضاريًا وعمرانيًا، وإداريًا، ما كان- بالأمس- خططًا ومستهدفات بات اليوم واقعًا معاشًا، وعلى هؤلاء الوزراء الجدد، الذين يؤدون يمينهم الدستورية في أحد منجزات الجمهورية الجديدة، أن يجتهدوا لأداء دورهم في مواصلة العمل بأعلى درجات الكفاءة، لتناسب أسلوب عمل الجمهورية الجديدة، في تحقيق مستهدفات استراتيجيات التنمية، وتخفيف الأعباء عن المواطنين.

 

 

كانت تلك الرسالة، وكان الرئيس يوجه الوزراء الجدد بالتفاني في العمل، إعلاء مبدأ الكفاءة، والوقوف بدقة على إمكانيات وزاراتهم والمؤسسات والهيئات التابعة لها، والإدارة المثلى للموارد، وتمكين المتميزين من الشباب، مشددًا على التحلي بالتجرد والموضوعية والتفاني وبذل أقصى جهد لإعلاء مصلحة الوطن في المقام الأول، إدراكًا للمسؤولية الكبيرة التي يتولونها في ظل المتغيرات الدولية الأخيرة، التي انعكست داخليًا على دول العالم ومنها مصر وفرضت العديد من التحديات التي تتطلب العمل الدؤوب المتواصل بإرادة قوية وبلا كلل.

 

 

كان ذلك يحدث في مدينة العلمين الجديدة، غرب مصر، عندما وضع الحادث المأساوي، إدارة الأزمات في الجمهورية الجديدة في موضع الاختبار، وقبلها وضع مستوى الوعي الشعبي والتلاحم المجتمعي في مقياس الصلابة والشهامة والمبادئ الوطنية الراسخة منذ آلاف السنين.

 

 

نجحت الدولة، فرئيسها رأس سلطتها التنفيذية، يتابع عن كثب، ويوجه بكامل الدعم؛ لتخفيف آثار الحادث، فيما كانت مؤسسات الدولة وأجهزتها التنفيذية بكامل كفاءتها، فخلال أقل من ثلاث دقائق من البلاغ، تواجدت أولى سيارات الإسعاف بموقع الحادث، لتتوالى عمليات الإنقاذ، وتصل 20 سيارة.

 

 

انتقل رئيس الوزراء ووزير الصحة ووزير التنمية المحلية من العلمين على وجه السرعة إلى موقع الحادث، للوقوف على الآثار وإجراءات تقديم الدعم، وزيارة المصابين في المستشفيات، والتأكد من تقديم الخدمة الطبية على الوجه الأكمل.

 

 

انتقال رئيس الحكومة لموقع الحادث رفقة الوزراء المعنيين، صحة وتنمية محلية، وتضامن اجتماعي، ومحافظ الجيزة، يعني أن الجمهورية الجديدة، ذات سمات مختلفة في التعاطي مع الأزمات، تتسم بالسرعة والكفاءة، وإدراك حجم التحديات، والوقوف على التفاصيل الدقيقة للأزمات لدراسة تلافي تكرارها، واتخاذ ما يلزم من قرارات، وفي قلب كل ذلك احترام للمواطن وسعي لخدمته ودعمه في الأزمات.

 

 

محامي الشعب، المستشار حمادة الصاوي، النائب العام، انتقل بدوره- بصحبة الطب الشرعي، وفريق من النيابة العامة- إلى موقع الحادث لمعاينته، وقامت النيابة العامة بمناظرة الجثامين، لتعلن في بيانها أنها لم تلحظْ فيها إصابات ظاهرة دالة على أمور أخرى خلاف الاختناق.

 

 

كما انتقل فريق التحقيق برفقة الطبيب الشرعي، وأجرى توقيع الكشف الطبي الظاهري على الجثامين؛ وقوفًا على سبب الوفاة، ووجه النائب العام بسرعة إنهاء إجراءات الصفة التشريحيَّة وتسليمها فورًا لذويهِم. وهي إجراءات دقيقة وسريعة للوقوف على الحقائق وتيسير إجراءات استخراج تصاريح الدفن لتكريم المنتقلين إلى دار البقاء. 

 

 

وفي حين كانت مؤسسات الدولة الرسمية تتعامل مع الأزمة بكفاءة، كان المجتمع المدني يواصل إعلان تضامنه ومواساته لأسر الضحايا والمصابين، وتقديم كامل الدعم المعنوي والمادي لتخفيف آلام مصابهم. 

 

 

فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، يتصل من الخارج بقداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية لتقديم العزاء والمواساة، ويوفد وفدًا رسميًا من الأزهر الشريف للتعزية، ويضع مستشفيات جامعة الأزهر في خدمة مصابي الحادث، ويوجه بكامل الدعم المادي للأسر بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني.

 

 

فضيلة الدكتور شوقي علام- مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- تقدم بخالص العزاء والمواساة إلى قداسة البابا تواضروس الثاني، والدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف، وأئمة الوزارة يتضامنون مع أشقائهم رجال الدين بالكنيسة، والمجتمع المدني بكل مؤسساته نقابات ومجالس وهيئات إعلامية.

 

 

التلاحم المجتمعي لم يفقد يومًا صلابته، بفضل تعزيز حصون الوعي، وامتلاك الشعب المصري الأصيل جينات حضارة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ سبعة آلاف عام، فهؤلاء أهالي المنطقة وجيران الكنيسة، فور رؤيتهم الدخان يقتحمون النيران لإنقاذ الأطفال والمصابين.

 

 

لم تتوقف جهودهم البطولية بوصول قوات الدفاع المدني، بل يعملون كتفًا بكتف إلى جانب قوات الدفاع المدني التي عمل رجالها ببسالة، فهذا محمد يحيى، شاب مصري، تصادف مروره بالشارع عند اكتشاف اندلاع الحريق، لم يتردد- بحسب شهود العيان- في اقتحام النيران مع آخرين، لينجح في إنقاذ خمسة أطفال قبل أن يسقط فيصاب بكسر في قدمه.

 

 

وهذان ضابطان وشرطيان من قوات الدفاع المدني، بين 16 مصابًا خلّفهم الحادث، بحسب بيان النيابة العامة، التي استمعت لأقوال 14 مصابًا سمحت حالاتهم بالإدلاء بشهاداتهم حول الحادث، الجميع كانوا على قدر المسؤولية ولم يدخر جهدًا لأداء واجبه على الوجه الأكمل.

 

 

ولم يسدل ليل ذلك اليوم الحزين ستائره، حتى كان رجال الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وعدد من الشركات المتعاقدة معها، تنفذ توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، بترميم وإصلاح وإعادة تأهيل كنيسة "الشهيد مرقوريوس أبي سيفين"، ليبدأ العمل الفعلي في ذات اليوم، ليعاد تقييم المبنى هندسيًا، والبدء في إزالة آثار الحريق وطلاء الواجهات وصيانة ورفع كفاءة المبنى.   وقطعًا سيعاد التأهيل بشكل كامل بدءًا من الترميم والإصلاح، ومرورًا بالتأمين ورفع الكفاءة، وتعزيز المبنى بأنظمة إنذار وإطفاء، بما يحول دون تكرار الحادث.

 

 

وهنا تظهر سمة أخرى للجمهورية الجديدة، سرعة الإنجاز، اختصار الوقت بين التوجيه الرئاسي والتنفيذ الفعلي إلى نقطة الصفر، لتشرق شمس اليوم الثاني للحادث، وقد أزيلت آثار الحريق من واجهت المبنى، ويأتي الأحد التالي للأحد الحزين، والكنيسة مستعدة بثوبها الجديد لاستقبال عباد الله، يواصلون صلواتهم، طالبين من الله أن يصب الماء صبًا على قلوب المكلومين.

 

 

ولعل من المهم أن تواصل الحكومة عملها بذات الكفاءة، بدراسة الحادث والاستفادة من دروسه، واتخاذ قرارات عاجلة وحاسمة، للحيلولة دون تكراره، بمراجعة دقيقة لوسائل الأمن والسلامة بالمنشآت، دور عبادة وغيرها من المنشآت العامة، والالتزام باشتراطات هندسية في الأبنية التي يرتادها "جموع"، والالتزام بتوافر منظومات إنذار الحريق والإطفاء الذاتي والمخارج، وتدريب أطقم العمل على الإخلاء الآمن عند الأزمات.    مصر تتغير للأفضل، رغم التحديات، للجمهورية الجديدة سمات وقدرات وإدارة للأزمات، تضعها التحديات جلية أمام أنظار من يرغبون في رؤية الواقع الجديد، وعلينا جميعًا مواصلة العمل بإخلاص لبلوغ ما نتمناه جميعًا لوطننا.. حفظ الله مصر وأنعم على شعبها الوفي بالأمن والرخاء والسلامة من كل سوء.

 

[email protected]

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز