بقلم
سهام ذهنى
رفاق مسيرة عسيرة
12:00 ص - الأربعاء 23 أكتوبر 2013
بقلم : سهام ذهنى
أنهار من البشر تتدفق خلال مسيرات سلمية متواصلة تجوب عددا كبيرا من شوارع مصر، نقاط المياه فى تلك الأنهار هم بشر من لحم ودم، كل إنسان يمثل نقطة، إنما تجاور النقاط يصنع منها أنهارا تسير.
المسيرات حالة إنسانية رائعة، يذوب فيها الإحساس الفردى ويصبح المجموع هو القيمة الأعلى، فيهتم المتظاهرون ببعضهم البعض ويدافعون عن حياة بعضهم البعض دون أن يعرف أحد منهم اسم الآخر أو مهنته أو عنوانه.
المتظاهر وسط الجموع يشعر أن المسيرة هى شريان للحياة فى جسد الوطن، وأنه جزء بسيط لا يصلح أن يتدفق فى الشريان إلا بتجاوره مع الآخرين، ومع الشعور بأنه نقطة فى بحر، يدرك أن النقطة لا قيمة لها إن انفصلت عن بحرها. وربما يكتشف خلال وجوده بين الجموع أنه لا يدعمهم، بل هم الذين يدعمونه ويرفعون من روحه المعنوية بصمودهم واستبسالهم، وبتوكلهم على المولى سبحانه، وبتفويض أمرهم لله.
خلال المسيرات كثيرا ما يلتقى المتظاهرون صدفة مع أصدقاء قدامى، إنما الأكثر هو التعرف على شخصيات جديدة تجمعهم أخوة مواجهة الخطر. فلولا الخطر الذى يتحداه المتظاهرون ويستعدون للتضحية فى مواجهته لتحولت المسيرات إلى جولة كرنفالية احتفالية لا تتضمن شرف الترحيب بالشهادة، والاستعداد لتحمل ألم الإصابة أو عذاب الاعتقالات القمعية بروح تؤمن بأن أى ألم يتعرض له الإنسان عند إخلاص النية فإن الله بإذنه سيكفر به من سيئاته أو يرفع درجاته، فلا يخشى المتظاهر المؤمن بهذا رصاصا قاتلا، ولا إصابة موجعة، ولا اعتقالا غاشما.
يعلن عن هوية المتظاهرين لون «رابعة» الأصفر تلك الماركة المسجلة التى تلمع تحت الشمس، والتى سبق أن صرح مصممو الشعار أن الأصفر رمز لقبة الصخرة فى المسجد الأقصى المبارك بالقدس، وأن الأسود فى علامة الأصابع الأربعة مستوحى من لون الكعبة الشريفة.
الرايات وصور الشهداء الضخمة ترفرف بتأثير الهواء مع من يحملونها فوق الدراجات البخارية، بما تبعثه رفرفة الرايات من شعور بجيشان المشاعر. الأعلام أيضا ترفرف بشكل آخر تحت تأثير حركة ذراع من يحملها مخفيا التعب وهو يلوح بها يمينا ويسارا بانسيابية جناحى طائر محلق بسلام واعتيادية.
ميكروفون معلق إلى جوار مرآة سيارة تقودها سيدة منقبة، يدوى بأغانٍ حماسية. شاب جالس على فتحة نافذة سيارة حاملا علم مصر. طفلة تخرج نصف جسدها من نافذة سيارة أخرى تلوح بأصابعها الأربعة.
مجموعات هائلة من النساء محجبات وغير محجبات ومنقبات ينافسن الرجال فى رفع الصوت بالهتاف، وحينما تتهم العين بعضهن بأنهن يمارسن هوايتهن فى الحكى معا رغم الضجيج، يكتشف من يقترب منهن أن ما يدور بينهن من حديث هو نوع من الفضفضة حول الزوج الغائب الذى داخت حتى عثرت عليه معتقلا وكيف ترى الويل حين تذهب لزيارته ويتم «لطعها» هى وغيرها بالساعات الطوال إلى أن يتم السماح لها بزيارة له قد لا تتجاوز الدقائق الخمس، وأخرى تبث حزنها حول ابن الجيران الخلوق الودود الذى لم يعد عقب فض اعتصام رابعة وعرفوا أنه قد ارتقى شهيدا، وغيرها تحكى عن معاناة الجارة التى تزور ابنها الجريح وحالته الحرجة.
ولأن الحاضنة الشعبية من المصريين المؤيدين للمسيرات من داخل منازلهم هى الكتلة المؤثرة التى تدعم الاستمرارية. لذلك ليس غريبا أن نسمع شعارا مثل «أحلى سلام وأحلى تحية لسكان الشقة ديه» خلال المرور إلى جوار شرفات يلوح أصحابها بإشارة «رابعة»، وقد تكون هذه الإشارة بأصابع رجل عجوز أو سيدة مسنة، أو حتى فتاة ربما يعقب تلويحها بالشعار نزولها إلى الشارع سريعا ومعها زجاجات مياه باردة، وأكواب لتروى ظمأ العطشى كشكل من أشكال الدعم والتأييد للمسيرات. تلك المسيرات التى صارت تشبه نقاط المياه، يظن البعض أنها بلا تأثير، فى حين أن تتابع سريان المياه قادر على تفتيت الصخر.
تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز