عاجل
الجمعة 20 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
الحرب ما بين مايكل جاكسون وعادل إمام

الحرب ما بين مايكل جاكسون وعادل إمام

بقلم : طارق رضوان

لقد اختاروا مدافعهم بعناية. ماسورة مدفع توجهت فوهاتها تجاه العرب. وماسورة مدفعهم الثانية توجهت تجاه الشرق الأوروبى. الأولى كانت دانة مدفعة الدين. فغرقنا جميعًا فى مستنقع استخدامه. أما الشرق الأوروبى فقد قضى على قوميته وأيديولوجيته بدانة الفن.



كان اختيار الإمبراطورية الوليدة بعد عبورها الأطلسى أن ترث تركة الأسد البريطانى العجوز المترنح. أى ترث العالم. اتخذوا القرار ووقع عليه داويت أيزنهاور أحد أنبغ أبنائهم. جنرال منتصر فى الحرب العالمية الثانية تم إعداده بعناية فائقة. اختار الرجل مساعديه الأكفاء: الأخوان دالاس. جون وآلان. وبدورهما اختارا تلاميذهما. شباب متحمس خارج لتوه من أتون حرب شرسة غيرت خريطة الكوكب. اختارا هنرى كيسنجر وبريجنسكى وغيرهما. فُردت الخطط على الطاولات المستديرة وبدأت الصفقات. وانطلقوا. كان الفن إحدى أدوات هذه القوة الكاسحة (راجعوا من يدفع للزمار). إبداع سينمائى تحت مظلة هوليوود وإبداع مسرحى وإبداع غنائى. الكل يبشر بعالم حر وبعبادة الفرد وبالسوق الحرة المفتوحة لكل مبدع. وجاءت اللحظة المناسبة. ترنح الإمبراطور السوفيتى العتيد وأوشك على السقوط. هجمت الرأسمالية الغربية بكل قوتها وكان مايكل جاكسون هو قائد تلك المعركة. فى حفلته برومانيا فى الأول من أكتوبر عام 1992 كان الإعلان مدويًا. فبعد أقل من ثلاثة أعوام من سقوط سور برلين كانت بوخارست العاصمة الرومانية على موعد مع حدث ترك علامة فارقة على مسار تاريخها الحديث. كانت المرحلة الأولى من جولة (داينجرس لمايكل جاكسون) قد وصلت إلى محطتها الأخيرة. بعد أن مرت الجولة التى مولتها شركة بيبسى كولا العابرة للقارات بألمانيا وهولندا وإيطاليا والنرويج والدنمارك والنمسا وسويسرا وإسبانيا والبرتغال. اختتمت ببوخارست. تمت إذاعة الحفل الذى أُقيم فى الاستاد الرئيسى ببوخارست على الهواء مباشرة حول العالم عبر مئات المحطات التليفزيونية. اختُير حفل بوخارست تحديدًا دونًا عن كل المدن الأوروبية الأخرى التى مرت بها الجولة لتسجيله ليصبح أول حفل مسجل لـ مايكل جاكسون يتم طرحه فى سى دى فى الولايات المتحدة. انتقلت حفلات الجولة ذات المائة طن من المعدات على طائرتى بوينج. كانت الحفلة تأكيدًا على عالم جديد واحد. انتصرت فيه السوق الحرة وصناعة الترفيه الجماهيرى بشكل نهائى وعولمة تنتقل فيها رؤوس الأموال والمعدات والبضائع والفنون ومبدعوها دون حدود تقف أمامهم. وكانت بوخارست فى القلب من كل هذا. قامت وسائل الإعلام الرومانية بتحويل الحفلة العادية إلى حدث وظاهرة معتمدة على وسائل الحشد الجماهيرى. هالة من القدسية أُهيلت على مايكل جاكسون قامت بها الصحافة الرومانية الجائعة للمال بفرض تسليع القداسة والبطولة التى تتزامن عملياتها فى نفس الوقت مع عملية تقديس النجوم. فعمليات تسليع المقدس وتقديس التجارى التى تتوازى فى نفس الوقت لتحفيز عملية الاعتراف بالانتماء إلى العالم الحر. إلا أن ما لا يقل أهمية هنا هو الالتفات إلى الخيط الخفى لطقوس عبادة الشخصية التى تربط بين ظواهرها من لينين وستالين وتشاوتشيسكو وصولًا إلى مايكل جاكسون. تنتصر الرأسمالية أخيرًا. ليحل ملك موسيقى البوب مكان القديس والبطل ويفسح القائد والزعيم مكانه لبطل الفنون التجارية ليكون محورًا لعبادة الجماهير. فى مشهد معبر عن دهاء التاريخ المتعمد يقف ملك البوب فى شرفة مبنى البرلمان الرومانى فى وسط العاصمة بوخارست ثانى أكبر مبنى فى العالم بعد البنتاجون والذى بدأ تشاوتشيسكو بناءه على أمل أن يخطب من شرفته فى الجماهير عند الانتهاء منه. لكن الديكتاتور يقتل قبل أن يحقق حلمه. ويقف هناك جاكسون أمام مئات الألوف من الرومانيين هاتفًا : «هالو بودابست. أقصد بوخارست». ليعلن من خلال فنه انتهاء عصر الشيوعية. بعدها توجه جاكسون إلى موسكو مرتديًا فى حفلته زى الجيش السوفيتى لتعلن الرأسمالية الغربية وصولها على أرض موسكو فى مشهد يشبه نزول الإنسان على القمر. لقد أدى الفن دوره بكفاءة. تدخل الفنانين فى أمور السياسة كان يعد فى الماضى فعلًا مضادًا لتأسيسه كما فى حالة شارلى شابلن أثناء نهوض النازية ولاحقًا خلال الحقبة المكارثية. لقد أصبحت المكانة وليست المعرفة العامل الأساسى فى انخراط المشاهير بالسياسات العالمية. العولمة ضخمت هذا الدور بشكل هائل وجعلت وجوههم معروفة فى كل أنحاء العالم. براد بيت حين سافر مع أنجلينا جولى إلى ناميبيا محرقًا بذلك 11،000 جالون تقريبًا من الوقود. هى كمية كانت تكفى لتأخذه بسيارته الهجينة إياها إلى القمر. المشهد وكأنما شارلى شابلن يتناول الغداء بصحبة رأس المكارثية السيناتور مكارثى نفسه. أو ربما مع أبناء موطنه الإخوة روتشلد. انتقلت فوهة مدفع الفن مؤخرًا إلى العرب وصوبتها تجاه المملكة السعودية أحد أهم معاقل استخدام سلاح الدين. انطلقت دانة الفن تجاه الأراضى السعودية. وأحدثت انفجارًا هائلًا وعندما هدأ غبار الانفجار انتشرت الحفلات الموسيقية فى كل أرجائها. الأرض لم تكن جاهزة لكن الإمبراطور كان على عجل للتغيير. فلجأت المملكة للجارة الغنية فنًا. لجأت إلى مصر. ومع توفُّر مال النفط تم نزوح الفنانين والمطربين والموسيقيين إلى هناك. تاركين خلفهم مصر خاوية تمامًا. فقد أهمل عن عمد وعن جهل وعن خيانة أهم قوة تمتلكها مصر. فبينما كانت أم كلثوم تجلس الأمة العربية كلها فى البيت مرة كل شهر وهى تصدح من القاهرة كان إسماعيل يس يجتاح السينما بعد توصية مواطن مغربى نادى على عبدالناصر فى أول زيارة له للمملكة المغربية طالبا منه أن يصل سلامه لإسماعيل يس. بينما كان يحدث هذا. كان أحد أمراء النفط يخشى أن يدع ماله فى البنوك لأنها تغلق بعد الظهر! لكننا ما زلنا نمتلك بقايا ذلك السلاح. فمازال بيننا عادل إمام. أحد أهم وأضحم وأخطر قواتنا الناعمة. الرجل يتمتع بشعبية جارفة ليس فى العالم العربى فقط بل فى المحيط الأفريقى. فشعبية عادل إمام ضخمة فى بلد مثل جنوب السودان. لم يهتم أحد بأن ينظم للرجل حفلات مسرحية هناك بل لم تفكر وزارة الثقافة أن تقيم أسبوعًا لأفلام عادل إمام بحضوره شخصيًا فى ذلك البلد المهم لمصر. عادل إمام ليس فقط ذا شعبية جارفة فى جنوب السودان بل فى إثيوبيا وفى الشمال والغرب الأفريقى. ومازلنا نمتلك عمرو دياب ذا الشعبية الطاغية التى لا تقل عن شعبية عادل إمام. لكن يبدو أن وزارة الثقافة بمبدعيها وأكاديمييها مشغولة ببناء قواعد الفن فى المملكة السعودية. فالمصالح الشخصية تقتل الأمة. والمبررات المعلبة خيانة فى وقت تواجه مصر حصارًا شرسًا لسحق هويتها. الأمر لا يتوقف على السينما والمسرح والغناء بل مازلنا نمتلك فن الباليه التى تديره امرأة إيطالية تدعى أرمينيا تتقاضى راتبها بالدولار وهى زوجة الراحل عبدالمنعم كامل رئيس الأوبرا السابق والتى قامت بفضيحة مدوية بتقديم باليه كليوباترا ببطلة يابانية تتقاضى هى الأخرى راتبها بالدولار معللة بذلك أن ليس للفن جنسية. لكنها نسيت أن للفضيحة معنى. الأمة تواجه خيانات متعددة. أحقرها خيانات المصالح الشخصية الضيقة. المؤامرة والخيانة من الداخل تهدد قوتنا وقواتنا الناعمة. لكن مازال هناك أمل.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز