عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
حرب الوجود الغربى

حرب الوجود الغربى

بقلم : طارق رضوان

لضخامة الصراع. تختلط الأمور وتتشابك الخيوط وتحتجب الرؤية. فبدا الحشد العسكرى الضخم الذى تقوم به الولايات المتحدة على حدود إيران هو للتهويش والتكويش على منابع النفط الخليجى واستنزاف أمواله. فى حين أن الصراع أضخم مما نتصور والحرب ضرورة ملحة لا بديل لها لإنقاذ الرأسمالية الغربية أمام الرأسمالية الشمولية الصينية. الولايات المتحدة والغرب الأوروبى يتهاوى رويدًا رويدًا أمام عملاق اقتصادى يسير مشتعلًا وببطء كالبركان ولا بد من بعثرة الأوراق لترتيبها من جديد. وكانت إيران هى الهدف وهى البداية.




تتعامل الصين بشراسة مفزعة على المستوى الاقتصادى وتتمدد بسرعة مذهلة فى كل أرجاء العالم. تستحوذ فى وقت ينسحب النفوذ الغربى وينحصر اقتصاده. ولو لم يشن الغرب بقيادة الولايات المتحدة الحرب لهيمنت الصين على العالم فى خلال سنوات قليلة أقل مما يتصوره البعض. لذا كانت الحرب ضرورة ملحة. ولتطور القوة العسكرية الصينية لا يمكن أن تتم المواجهة المباشرة معها وإيران هى البعد الاستراتيجى للتنين الأصفر. وبشن الحرب عليها تصل الرسالة واضحة وتتعطل الماكينات الصفراء عن العمل. فالصين تتقدم بخطى متسارعة نحو التحكم فى التكنولوجيا الأكثر حداثة وتطورًا.

لقد مضى زمن الانغلاق فى الفكرة العرقية لدى القادة الغربيين الذين كانوا يتصورون دائمًا أن الصين ذلك البلد الذى يقوم بتصنيع اللعب الخشبية والأدوات المنزلية المصنوعة من البلاستيك والذى سيظل وإلى الأبد منحصرًا فى إنتاج مثل تلك السلع. لا شك أن الصين ظلت حتى سنوات الثمانينيات تنتج وتصدر مثل تلك السلع ولكنها اليوم قد وضعت قدميها فى كل مجالات الإنتاج الصناعى. وقد ساعدها فى ذلك وبقوة استراتيجية الشركات المتعددة الجنسيات التى كانت تسعى للتخلص من عمليات التصنيع فى بلدانهم الأصلية.

ومع الوقت بدأت الشركات الصينية تعمل فى صورة عقود تحتية ثم أصبحت موردًا للشركات الأجنبية. وهكذا أصبحت الشركات الصينية فجأة هى نفسها التى تقوم بتصنيع المنتجات النهائية للأسواق العالمية. الصين فى طريقها اليوم لتصدير الحاسبات الآلية والقاطرات ذات السرعة الفائقة. وستقوم قريبًا بتصدير الطائرات والمفاعلات النووية. كما أن هناك مجالًا آخر وليدًا فى تلك القفزة التكنولوجية يتمثل فى مجال الفضائيات والبرامج العسكرية. فهى الدولة الوحيدة بعد الولايات المتحدة التى يمكنها الاستعانة بقاذفة أرض – جو لتدمير قمر صناعى فى الوقت الذى تتراجع فيه الولايات المتحدة عن برنامجها الفضائى للمحطة القمرية لأسباب تمويلية.

لكن الصين وعلى العكس تعلن عن عزمها أن تكون الدولة الأولى لإقامة مثل هذه المحطة. كما أن لديها قدرة عسكرية مؤثرة تدعو إلى الذهول والدهشة. فهى القوة الثالثة فى العالم فيما يتعلق بعدد رءوس الصواريخ النووية بعد الولايات المتحدة وروسيا وهى تحتل المرتبة الثانية فى عدد الغواصات النووية بعد روسيا بالإضافة إلى أنها أطلقت برنامجها لحاملات الطائرات الذى يمكن أن يغير بطريقة كبيرة قدراتها العملية للتدخل فى كل  أنحاء العالم. كما أنها تطور برنامجًا للصواريخ أرض – بحر مما يجعل حاملات الطائرات الأمريكية فى وضع أقل أمانًا. كما أنها تنفرد بإقامة صرح فريد من نوعه فى العالم وهو عبارة عن نفق بطول 5500 كم يستخدم كملجأ فى حالة نشوب حرب نووية والذى يمنح الصين القدرة على توجيه الضربة الثانية لسلاح المدفعية.

وتتجلى قوة الصين وبصورة واضحة فى مجال العلاقات الخارجية من خلال شبكة واسعة تربطها بحلفائها وعملائها التجاريين وكذلك بالبلدان المضطرة لإقامة علاقات معها. بجانب حضورها الكبير فى أفريقيا الذى يكاد يكون حكرًا عليها لدرجة أننا يمكننا القول بأن الصين قد قامت بشراء القارة السمراء على المستوى السياسى بما يترجم عنه تلك المؤتمرات واللقاءات الدولية المنتظمة بينها وبين الدول الأفريقية. إن الغالبية العظمى من البلدان المصدرة للمواد الأولية وبخاصة المنتجات البترولية تدين بالعرفان للصين نتيجة الارتفاع المستمر فى أسعار تلك المواد معبرًا عنه بالدولار بما يجعلها تحقق أرباحًا غير مباشرة بفضل النمو الاقتصادى القوى للصين. إضافة لذلك تزايد النمو الاقتصادى العالمى بشكل ملحوظ حيث اقترب من 5 % بين عامى 2003 و2008 مما أدى لارتفاع كبير فى أسعار المواد الأولية.

والأمر الخطير هو أن البلدان الغربية على ما يبدو تظهر سلبية فى المواجهة إلى الآن. فهناك سببان لهذه السلبية. الأول هو أن البلدان الديمقراطية ونظرًا لأنها ديمقراطية فهى أقل تحمسًا وقدرة على مساندة المواجهة مع القوى الشمولية كدولة الصين. والثانى الذى يبعث أكثر على القلق هو أن عددًا كبيرًا من الشركات الغربية يمكنها أن تحقق أرباحًا طائلة بفضل عملية الإمدادات الواسعة التى تستوردها من الصين. وحيث إن هذه الشركات لها مصلحة مباشرة فى استمرار إمداداتها من الصين فإن من وجهة نظرها يكون من الأفضل الإبقاء على سعر صرف اليوان على ما هو عليه وعلى ما يبدو فإن مثل هذه الشركات تمثل عدوًا داخليًا لبلدانهم الأم نتيجة تفضيل المصلحة الخاصة على المصلحة العامة. علاوة على وجود جماعات ضغط تدافع عن الصين (اللوبى الصينى) توجد بصفة أساسية فى الولايات المتحدة ويتكون من كبرى الشركات ورجال السياسة وأصحاب النفوذ والجامعيين ذوى الشهرة والصحفيين.

وقد بدأت هذه الجماعات تظهر كذلك فى أوروبا. مما لا شك فيه أنه فى حالة الحرب الاقتصادية الراهنة بين القوى الكبرى فإن حرب الأفكار تلعب دورًا له تأثير حاسم وكبير. فالصين من خلال استراتيجيتها الاقتصادية تسعى إلى زعزعة اقتصاديات البلدان المتقدمة من أجل الاستحواذ على الهيمنة العالمية وبما يسمح لها فى الوقت ذاته بترسيخ نظامها السياسى وتصديره إلى باقى دول العالم. فالأسباب الظاهرية التى أدت إلى اندلاع الأزمة المالية التى يواجهها العالم منذ 2007 تجد بطبيعة الحال تفسيرها فى مستوى المخاطر التى تبنتها النظم المصرفية الأمريكية والبريطانية والأوروبية مع غياب شبه كامل للرقابة.

ومع ذلك فإن الأزمة الحالية تجد أسبابها الحقيقية فى الفوائض التجارية الهائلة والمتراكمة التى تحقهها الصين منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية فى عام 2001 والتى تعتبر نتيجة مباشرة لسعر صرف العملة الصينية الذى لا يعبر عن قيمتها الحقيقية. فالتخفيض الكبير لقيمة العملة الصينية بفضل التدخلات اليومية فى سوق العملات استطاع أن يستمر لفترات طويلة. فهى اليوم تبيع يوميًا اليوان مقابل الدولار واليورو ويتراكم لديها احتياطيات كبيرة من هاتين العملتين. ولديها ديون كبيرة على الولايات المتحدة وأوروبا وفى الوقت نفسه فإن الصين تعمل على زيادة نصيبها من السوق العالمية من السلع والخدمات بفضل هذه التدخلات فى سعر عملتها وكذلك مكانتها كدائن للولايات المتحدة وأوروبا. فالصين التى تخادع بالتدخل فى تحديد سعر عملتها تربح مرتين. تارة على المستوى التجارى وتارة أخرى على المستوى المالى. كما أنها تقوم بإضعاف منافسيها الرئيسيين أمريكا وأوروبا.

إن العجز الهائل الذى تتكبده بلدان مجموعة السبع من جراء تجارتها مع الصين قد أضعف كثيرًا من اقتصاديات هذه البلدان، ولقد وجدت هذه البلدان نفسها ولكى تتجنب الوقوع فى كساد متواصل يمكن أن يهدد استقرارها مضطرة إلى ممارسة سياسات تحتوى على مخاطرة اقتصادية من خلال الاعتماد على استمالة حفز المحلى. والسؤال الذى يطرح نفسه الآن: هل تستمر البلدان التى تتعرض للهجوم الاقتصادى الصينى فى ترددها وتراجعها عن المواجهة حتى تسقط فى نهاية الأمر، أم أنها ستقرر خوض المواجهة وإيقاف النزيف الصناعى الذى يهدد صناعتها وما يترتب عليه من خسائر اقتصادية؟، الغرب لن يقف متفرجًا على نفسه وهو يتهاوى أمام التنين الأصفر. لذلك سيشنون حربًا واسعة على قلب المصالح الصينية لبعثرة الأوراق. الحرب قادمة على إيران لا محالة وعلى الصين أن تدفع الثمن وتعى الدرس وتقرأ الرسالة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز