عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
صراع إمبراطورى على الدين

صراع إمبراطورى على الدين

بقلم : طارق رضوان

للعولمة أدوات. وللسيطرة على العالم- سُوقه ودُوَله - الأدوات نفسها. تستخدمها الإمبراطورية الأمريكية لمصالحها الخاصة. مصالحها أولًا. مصالحها دائمًا. أدوات معقدة تتشابك خيوطها لتصل فى نهاية طرفها إلى أجهزة الاستخبارات المتنوعة داخل الإمبراطورية. والدِّين. أىُّ دين. أهم تلك الأدوات التى تلعب دورًا مُهمّا وخطيرًا ومؤثرًا ومضمونًا.



إريك فراتينى مؤلف الكتاب الخطير «الكيان. خمسة قرون من جاسوسية الفاتيكان السِّرِّية» وهو من مواليد عام 1963 فى ليما بدولة بيرو. جامعى يدرّس فى جامعة مدريد. كشف الرجُل فى كتابه عن علاقة الاستخبارات الغربية مع جهاز استخبارات الكنيسة البابوية فى الفاتيكان. وكان الجزء الأخير من الكتاب عن الخمسين عامًا الأخيرة فى القرن العشرين وكيف قامت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بالسيطرة على الكنيسة، وكشف عن كيفية اختيار البابا ليحقق مصالح الإمبراطورية. كان أهمها وأخطرها اختيار بابا للفاتيكان من دولة شرق أوروبا الواقعة تحت سيطرة الاتحاد السوفيتى وقت الحرب الباردة. وهو البولندى كارول جوزيف فوتيلا «يوحنا بولس الثانى»، وقد تولى البابوية لمدة 26 عامًا و168 يومًا بدأت من 16أكتوبر 1978 حتى 2أبريل 2005، وهو أول بابا بولندى فى التاريخ. وأول بابا غير إيطالى منذ 455 عامًا. وأكثر بابا طوّب قديسين.

 كما أنه أكثر بابا قام برحلات وجولات عالمية. وثالث أطول حبرية بعد القديس بطرس وبيوس التاسع. هذا الرجُل كان له دورٌ كبيرٌ فى القضاء على الشيوعية فى العالم. كما كان له دورٌ كبيرٌ وخطيرٌ فى إعطاء الشرعية الدينية لغزو العراق 2003. عندما أرسل القاصد الرسولى المونسنيور فرانكو كوبولا إلى منطقة الشرق الأوسط قبل شهور من اندلاع الحرب فى العشرين من مارس 2003؛ حيث قال القاصد الرسولى فى تصريح له عقب عودته من رحلته الشرق أوسطية. إنهم متقبلون للحرب وهم قدريون على عادة العرب. التفاصيل كثيرة ومعقدة يعنينا فيها الآن أن الدين من أهم سِمات العولمة.

ومن أهم الأدوات التى تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية فى السيطرة على العالم. فالجماعات الدينية بمختلف مسمى الأديان لا تؤمن بالقومية ولا بالحدود وتتحمس لاقتصاد السوق الحُرّة. وهو ما ظهر عندما تولت جماعة الإخوان الإرهابية الحُكم فى مصر. وقد بدأ استخدام الدين فور بزوغ الإمبراطورية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية. عندما تولى الجنرال المنتصر البروتستانتى دوايت أيزنهاور قيادة الولايات المتحدة فى النصف الثانى من القرن العشرين.

واختار اثنين من معاونيه وهما شقيقان لأب قسيس بروتستانتى. الأول هو جون فوستر دالاس فى موقع وزير الخارجية. وكان صاحب فكرة بأن الدين هو السلاح الأكثر فاعلية ونفاذًا فى العالم الثالث؛ لأنه الهوية التقليدية للشعوب. والشقيق الثانى هو آلان دالاس فى موقع مدير وكالة المخابرات المركزية التى أوكلت لها مهمة حرب سلاح الأفكار وليس سلاح النار. فأنشأ مجمع الكنائس العالمى للمسيحيين. والمؤتمر الإسلامى للمسلمين.

 مما جعل للأديان سُلطات دولية رسمية. فالفاتيكان وريث تاريخ الكنيسة الطويل والإمبراطورية المهيمنة لأكثر من ألف عام. فهو فى آن واحد الدولة- الأمّة والكيان الفوق- قومى الذى يؤثر على عقول ما يقرب من 1,2 مليار إنسان. وهو يقيم علاقات تربطه بمائة وخمسين دولة. ويعتمد البابا فيه على سكرتارية دولة وحكومة مكونة من نحو عشرين كاردينالًا وإدارة بابوية ونحو أربعة آلاف وخمسمائة أسقف موزعين فى كل أرجاء العالم ويدعى الفاتيكان باعتباره مراقبًا فى الأمم المتحدة. فسعيه الدبلوماسى يرتكز فى البحث عن الكرامة الإنسانية وعلى الدفاع عن القيم مثل رفض الإجهاض والحفاظ على الأسرة، وهو يتدخل فى العديد من الملفات الإقليمية أو العالمية من دون الخضوع إلى الدبلوماسية العالمية المتعارف عليها.

ويجمع تحالف الإصلاح العالمى للكنائس المسيحية التى نالها الإصلاح، وهو يضم مائتين وأربع عشرة كنيسة تابعة لمائة وست دول، أى ما يقرب من خمسة وسبعين مليون نسمة. الأمر لم يتوقف فقط عند الكنيسة الكاثوليكية، بل كان هناك سيطرة أخرى على ديانة أخرى وهى اليهودية. فالمؤتمر اليهودى العالمى الذى تأسس عام 1936 لتجنيد الجماعة الدولية ضد النازية هو واحد من التنظيمات العديدة التى تسعى اليوم لتمثيل الجماعات اليهودية المشتتة فى كل أرجاء العالم. ويقيم معظم قياداته فى الولايات المتحدة، بل يقومون بأدوار مهمة وخطيرة فى ملف إسرائيل وعلاقاتها مع جيرانها العرب.

 ويقومون بجولات متعددة للشرق الأوسط لتقريب وجهات النظر. أمّا الكيان الأخطر لمصالح الإمبراطورية، فكان فى المؤتمر الإسلامى؛ حيث تمثل منظمة المؤتمر الإسلامى الذى يعد المنظمة الإسلامية الرسمية الوحيدة ذات الطابع الدينى نحو سبع وخمسين دولة ذات أغلبية مسلمة، ويجتمع البرلمان العالمى للأديان الجامع لكل الأديان الذى تمت الدعوة  إليه لأول مرّة فى شيكاغو أثناء المعرض الدولى عام 1893 مرّة كل عام، وهو تقليد تبنّاه اعتبارًا من 1999.

أمّا جماعة الإخوان الإرهابية فلها طابع خاص ومعاملة استثنائية من الولايات المتحدة. فقد تسلمت أمور قيادتها عندما انسحبت الإمبراطورية البريطانية صاحبة فكرة وإنشاء الجماعة من المشهد الإمبراطورى. وكانت الجماعة ذات فوائد متعددة للولايات المتحدة. وعندما اشتد الهجوم المصرى بقيادة جمال عبدالناصر فى منتصف الخمسينيات قاموا بتسهيل ترحيلهم إلى المملكة السعودية وإلى ألمانيا وهناك قاموا ببناء مسجد « ميونخ » تحت قيادة سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا والسكرتير الشخصى له. وأصبح المسجد مركزًا إسلاميّا فى قلب أوروبا تنطلق منه كل التوجيهات إلى مختلف الجماعات الإسلامية الإرهابية حول العالم. حتى حانت الفرصة المناسبة فى بداية السبعينيات وأعادوهم إلى مصر لإعدادهم لتجييش الشباب للسفر إلى أفغانستان لمحاصرة العدو السوفيتى. فالإخوان جزء لا يتجزأ من أدوات الإمبراطورية الأمريكية للسيطرة على العالم. وكأن الزمن يعيد نفسه. فالولايات المتحدة تستعد الآن لترحيل شباب الجماعة إلى الصين وعلى حدودها لتطويقها وممارسة الدور نفسه الذى لعبوه من قبل ضد السوفييت. لذا أغلب الظن أن الإدارة الأمريكية لن تدرج الجماعة كجماعة إرهابية رُغم تصريح ترامب الأخير.

فتصريح الرئيس الأمريكى يحمل فى طياته غرضين. إمّا للضغط على الجماعة لتكليفها بمهام جديدة. أو للتنصل من أى عملية إرهابية تقوم بها فى قلب الصين أو على حدودها. لكن فكرة أن الولايات المتحدة تقضى على جماعة الإخوان المسلمين لن تتم أبدًا. فقط مناورات وتكتيكات للصراع الإمبراطورى الدائر الآن.

 يمكن أن تتنصل منها علنًا لكنها لن تتخلى عنها فى السّر. فللجماعة فوائد متعددة واستخدامهم للمصالح الإمبراطورية يوفر كثيرًا من الجهد ويبعد كثيرًا من السمعات السيئة التى يمكن أن تطال الإمبراطور فى حال المواجهة المباشرة مع التنين الصينى. الصراع كبير وشرس ما بين الإمبراطوريتين، وما يتم من أحداث حول العالم هو رجرجة نتيجة الصراع الكبير. وتحت مظلة الصراع سنرى كل يوم أحداثًا جديدة. أحداثًا مفجعة.•

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز