عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الإصلاح الدستورى

الإصلاح الدستورى

بقلم : طارق رضوان

لأنها دولة خطرة، فهى دائمًا فى حالة حرجة واستثنائية، ولأنها دائمًا هدف، فهى لا تملك رفاهية الاسترخاء، مشدودة متيقظة ومتوهجة طوال تاريخها الطويل، عندما وضع دستور 2014 الوقت لم يكن كافيًا، كانت أعصاب الدولة مشدودة، ورجالها مضطربين باستثناء الجيش لخبرته الطويلة والعميقة ولسلامة أركانه وهدفه، أما الباقون فكانوا فى حالة اضطراب وعصبية وفوضى، فتمت كتابة الدستور فى حالة غير متزنة، وعلى عَجَل، فكان من الطبيعى أن يخرج الدستور غير مكتمل، وكان لا بُدّ من إصلاحه.



كتب دستور عام 2014 عن طريق رجال مختلف اتجاهاتهم السياسية، البعض منهم لم يكن مصريًا مخلصًا خالصًا، فكان هناك نيات مبيتة، نيات لأغراض شخصية بحتة بعيدة عن رؤية الدولة ومستقبلها، والجميع كانت عيناه صوب الميدان، ذلك الشبح الرهيب الذى كان يزلزل وجدان كل من يقدم على خطوة أو يتخذ قرارًا، لذلك لم تكن كتابة الدستور فى مناخاً ملائماً، والدساتير لا تكتب هكذا، لا تكتب فى حالة اضطراب وعصبية وخوف وتحت ضغط، الدساتير فى أى مكان فى العالم تتم كتابتها فى مناخ سياسى مستقر تحت مظلة دولة مستقرة برجال مخلصين يكتبونه لمصلحة الأمة دون خوف أو ارتعاش.

الدستور كتب ومصر جريحة من حكم طال لثلاثين عامًا وصلت الدولة لحالة الركود التام وتقلصت شرايينها وشاخت قياداتها، كتب وفى خلفية المشهد جمهورية الفساد، تبعها حالة من الفوضى صعد فيها جماعة الإخوان الإرهابية للحكم ووضعوا دستورًا مفصلا على مصالحهم وعلى خطتهم لهدم البلاد وسحق هويتها لتتحول الدولة المصرية العتيقة لدولة خلافة، دستور الفاشيست وضع قواعده فيلدمان نوح دكتور الاقتصاد فى جامعة هارفارد وهو واضع من قبل دستور أفغانستان والعراق بعد الغزو الأمريكى لهما، فقد كانوا خونة وعملاء ومرتزقة، دستور كتب ليكرس الديكتاتورية الفاشية المتمثلة فى حكم الثيوقراط، ليبدأوا فى بناء جمهورية الخوف.

ثم جاءت ثورة يونيو المجيدة التى ولد معها من جديد الإنسان المصرى، فكانت امتدادًا لتاريخ طويل من النضال للحفاظ على الدولة وعلى الهوية وعلى مصرية الدولة، كان ذلك المشهد فى الخلفية ضاغطًا على أعصاب من كتبوا الدستور ويفرد مظلة الخوف والتردد والارتعاش والتخلص من الماضى الأليم، ومن الجرح الغائر فى جسد الدولة، فكان دستورًا مكتوبًا لمواءمات سياسية تُرضى جميع الأطراف دون النظر لمصلحة الدولة ومستقبلها وترسيخ استقرارها وغير عابئ ببناء قواعدها المتكاملة، وكان لا بُدّ من إصلاحه ليتواءم مع التغيرات الرهيبة التى تمت فى مصر خلال السنوات الخمس فقط.

 فى تلك السنوات اعتلى الرئيس عبد الفتاح السيسى حكم البلاد بناء على رغبة الشعب، فقد كان هو الملهم والمخلص من براثن الإخوان، كان هو فى صدارة المشهد وحده ومن خلفه الجيش العظيم، قدم الرجل حياته فداءً للأمة المصرية وواجه أمواجًا عاتية من اعتراضات الأمريكان والقوى الغربية والأفريقية والآسيوية.

راهن على الشعب وعلى تاريخ الأمة ونجح، لم يجعل نفسه زعيمًا يبحث عن أتباع, ولقد كان هذا شيئًا لا يكاد يصدق بعد شعبيته الجارفة بعد ثورة يونيو العظيمة، ولا يصدق فى دولة تعتبر فيها الولاء للزعيم أيسر شكل من أشكال التعبير السياسى، حيث جرت العادة بأن يتخذ الولاء السياسى شكل الولاء للزعامة الشخصية أكثر منه للمذهب أو الأيديولوجية، أما الرئيس المتوقد القوى فيبدو أنه أدرك أن تنصيب نفسه زعيمًا شخصيًا سوف يحد كثيرًا من نطاق حركته فى بناء دولة حديثة، واعتبر نفسه قائدًا يتعاون مع معاونين كثيرين، رجل شامل الفكر، فرجال الفكر فى العادة أنواع، فهناك رجل الفكر حامل الرؤية؛ وهناك رجل الفكر صاحب المشروع؛ وهناك رجل الفكر واضع الخطط؛ وهناك رجل الفكر المشغول بالتفاصيل، جمع الرئيس كل تلك صفات رجل الفكر ليضع خطته لبناء الدولة، فهو صاحب رؤية ولديه مشروع وواضع خطط ومهتم بالتفاصيل، وبدأ الطريق الصعب والشاق والقاسى.

 كانت الدولة فى حالة اهتراء وفوضى والإرهاب والفقر والمرض يسرى فى عروقها، فوصلت لحالة إعياء كادت أن تصل بها لمصاف الدول الفاشلة، وبهدوء رجل عسكرى شريف ومؤمن وجاد وحاسم وحازم بدأ الرجل فى مرحلة البناء بعد إزالة أكوام القمامة الإخوانية من البلاد، واتخذ إجراءات اقتصادية تبدو قاسية ومخيفة لكنها ضرورية، كان كل من سبقوه يرتعدون من اتخاذها، لكن مصلحة الدولة كانت صوب عينيه قبل مصلحته الشخصية، ضحى بشعبيته أمام مصلحة البلاد، هناك من استوعب تلك الإجراءات القاسية ومنهم من لم يستوعب بعد لاعتياده على القرارات الرخوة التى كانت تطيل أمد الفقر والمرض والإرهاب.

 كان لابُدّ من اتخاذ القرار، تمامًا كقرار عملية جراحية لمريض على شفا الموت ولا أمل له فى الحياة إلا بعملية جراحية دقيقة وقاسية ليشفى، فالعلاج بالمسكنات لم يعد يجدى، والدول الكبرى لا تعالج أمراضها بالمسكنات؛ بل بالقرارات الصعبة والقاسية التى سيجنى ثمارها الأجيال القادمة، فقد تغير العالم من حولنا وكان لا بُدّ أن تتغير مصر سريعًا لتواكب تغير العالم وإلا بقيت فى مكانها ساكنة لا تتقدم خطوة للأمام، من هنا بدأ الرئيس أولى خطواته، والهدف الأكبر أمامه هو بناء دولة قوية حديثة، وعلى مدار التاريخ، بناء الدول لا يتم فى يوم وليلة ولا يتم فى سنوات معدودة، ففى الولايات المتحدة الأمريكية عندما تعرضت البلاد لكارثة الكساد الرهيبة فى عشرينيات القرن الماضى جاء أعظم رؤسائها على مر تاريخها وهو فرانكلين روزفلت «إف دى آر» الرئيس الثانى والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية ووضع الرجل خطته الإصلاحية «العقد الجديد» ليخرج الأمة الأمريكية من كبوتها الاقتصادية ولكى يكمل مهمته استمر فى الحكم أربع فترات رئاسية انتهت بوفاته عام 1945 أخرج خلال ولايته الولايات المتحدة من محنتها، وفى فرنسا جاء حكيم أوروبا شارل ديجول ليبنى فرنسا من جديد بعدما دمرت تمامًا على يد النازيين, واستمر الرجل عشر سنوات ليبنى فرنسا وهو مؤسس لجمهوريتها الخامسة.

 وفى الصين اعتلى ماو تسى تونج حكم الصين ليخلصها من الفوضى والحروب الأهلية والفقر والجهل والمرض واستمر فى حكم البلاد لبنائها من عام 1949 حتى وفاته عام 1976، أى أن مرحلة بناء الدول من جديد وتخليصها من الفقر والمرض والجهل والإرهاب تحتاج لوقت كاف كى تكتمل منظومة البناء، والرئيس بدأ بالفعل وسريعًا، البناء على المستوى الداخلى وعلى المستوى الخارجى، بدأ بإجراءات اقتصادية واجتماعية لمصلحة الفقراء لتوفير حياة كريمة لهم ونفذ أهم مشروع فى تاريخ مصر الحديث وهو العلاج من فيروس (سى) اللعين ووضع مظلة صحية لحماية الشعب كله، وهكذا كان الحال فى تطوير التعليم والمرافق والبنية التحتية، أى بناء شامل لدولة جديدة، وعلى الصعيد الدولى استطاع أن يعيد مصر لمكانتها أفريقيًا وعربيًا واتجه شرقًا نحو روسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام وبقية دول آسيا وغربًا تجاه أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية وهى علاقات متزنة لمصلحة الأمة، كل ذلك تم فى خمس سنوات فقط، وهو وقت فى حسابات الأمم قصير وغير كاف، ومدة الرئاسة التى أقرها الدستور غير كافية لترسيخ قواعد البناء وغير كافية للانتهاء من المشاريع الضخمة وغير كافية لترسيخ الاستقرار الذى تعيشه مصر الآن، الدستور بحالته تلك مقيد فى بعض مواده لسلطة الرئيس التى يحتاجها لبناء دولة قوية تبنى على أسس حديثة، لذلك كان لا بُدّ من الإصلاح الدستورى لتعود مصر إلى طبيعتها المعتادة ومرونتها التاريخية واستقرارها المطلوب.

الإصلاح الدستورى ليس بدعة فقد قامت به من قبل الولايات المتحدة سبعاً وعشرين مرة، والدستور الفرنسى تم تعديله خمس عشرة مرة وكلها كانت لمصلحة الأمة، علينا أن ندعم الإصلاح الدستورى لترسيخ الاستقرار ولإعطاء الفرصة الكاملة والكافية لعملية البناء التى يقوم بها الرئيس السيسى، ولاستكمال قواعد الدولة بعودة مجلس الشورى بثوبه الجديد ولإعادة الصلاحيات الكافية لرئيس الجمهورية لتكون كفيلة للاستمرار فى نهضة البلاد، الوقت حرج والعالم مضطرب ولا بُدّ من استقرار مصر، وهو دورنا، دور الشعب ليساهم فى بناء المستقبل.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز