عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
السفر إلى المستقبل

السفر إلى المستقبل

بقلم : طارق رضوان

تتغير مصر كثيرًا. وتتبدل. تتقدم للأمام بخطوات مسرعة ومحسوبة ومخطط لها بدقة. فالعالم كله حولنا يتكامل بسرعة مذهلة. يصاحب ذلك التكامل صراعات جديدة مفزعة. اختارت مصر طريق السلام. وهو طريقها الدائم فى الحياة. بلدا شريفا طيبا بلا أطماع توسعية أو احلام إمبراطورية. اختارت مصر أن تمد يدها للشرق وللغرب. وللشمال والجنوب. لما فيه الخير والسلام لأهلها الطيبين.



إلى كل أنحاء العالم يسافر الرئيس عبدالفتاح السيسى. يتحرك مسرعًا من أجل الحاضر والمستقبل. مادًا يده للتعاون من أجل مصلحة البلاد. كان آخرها جولته لغرب إفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية. وهى زيارات مهمة وخطيرة ومؤثرة بكل المقاييس السياسية والدبلوماسية. زيارات من أجل المصالح المتبادلة بلا تبعية كما كان الأمر فى الماضى. فمصر تتحرك مسرعة بعد حالة من الجمود والشيخوخة طالت لسنوات كانت نتيجة تكلس وشيخوخة وخيانة أنظمة سابقة. سفريات الرئيس نابعة من فهم ووعى بما يدور فى العالم. فلم تعد هناك دول منغلقة على نفسها كما كان الأمر فى الماضى القريب. بل أصبح اتكال سكان العالم على بعضهم بعضًا قانون العالم الجديد الذى لم يكن بهذه الدرجة من قبل. فقد تجاوزت المبادلات الاقتصادية عبر الحدود ربع الإنتاج العالمى. ووصل نصيب البلدان البارزة فى المبادلات العالمية إلى أكثر من الثلث فى خمسة عشر عامًا بعد أن كان لا يتجاوز الربع. وتعد الأسواق المالية العالمية أكثر تكاملًا عن ذى قبل.

فالعالم كله أصبح سوقًا واحدة أوجدت إمكانيات لم تعرفها البشرية من قبل وبوسائل لم يكن لأحد معرفة بها ولا حتى فى خياله. كان الأثرياء فى الماضى معلقين بتبادل البضائع. لكنه طرأت مستجدات بدلت القواعد والقوانين السابقة. فالأموال المتحركة كل يوم فى بورصات نيويورك ولندن وطوكيو وفرانكفورت وغيرها تصل كل يوم. كل يوم. إلى خمسمائة بليون دولار. أى أن حركة تنقل الأموال أسرع مائة مرة من حركة التبادل التجارى التقليدى. لقد أصبح المال نفسه سلعة أوراق تطارد أوراقًا أخرى على حد تعبير فولكر رئيس بنك الاحتياطى الأمريكى السابق.

وفى هذه المطاردة السريعة والعنيفة تتحقق فرص للثراء خيالية. وهو ما يؤكد نبوءة الشاعر الألمانى الشهير «هاينى» منذ قرن من الزمان عندما قال «لقد أصبح المال فى هذا العصر إلهاً وروتشيلد -الثرى البريطانى- هو رسوله».

وكانت تلك إشارة لما هو قادم فى المستقبل وما هو متحقق بالفعل الآن. فقد أصبح السعى إلى الثراء دينًا جديدًا له طقوسه والتزاماته. وأصبحت البنوك والبورصات الكبرى مساجده وكنائسه ومعابده. ومحافظوه ومديروها شيوخه ورهبانه وكهانه. والصلاة والدعاء والترانيم لا تنقطع أصواتها. والأبواب مفتوحة والفرص متاحة على الآخر تنتظر كل دقيقة الجديد الذى يضيف على سرعة تداول المال. لقد أصبح العالم متكاملًا من أجل المصالح المتبادلة. كما تتكامل خطوط الإنتاج أيضا على مستوى العالم. فالآى فون لم يعد يصنع فى الصين فقط. وإنما صنع فى العالم. كذلك الحال بالنسبة للانجوستين التى تنتجها المجموعة البريطانية للمأكولات البحرية « يونج ». فصيدها يتم فى أسكتلندا وتقشيرها يتم فى تايلاندا ويتم تسويقها فى أوروبا.

أما البنطلونات الجينز التى تحمل العلامة التجارية «تكس» فالقطن الذى يدخل فى صناعتها يتم زرعه وجنيه من أوزبكستان ثم يغزل وينسج فى الهند. أما مكملات صناعة البنطلونات من أزرار ومسامير وسوست فيتم تصنيعها فى الصين وفى كوريا الجنوبية وتايلاند. ويجرى تجميع كل هذه المكونات بعد ذلك فى بنجلاديش. لتنتقل بعد ذلك البنطلونات المصنعة إلى سنغافورة ومنها إلى فرنسا. وكذلك الحال لصانع تجهيزات السيارة «فاليو» اليابانية الذى يقوم برسم التصميم الجديد لمصابيح تلك السيارة إلى مصممين فرنسيين من سين – سان دينيه. وفى خطوتها التالية توضع خطوط الطراز فى الصين. ويتم عمل النموذج المحتذى به فى الولايات المتحدة لتنتج بعد ذلك سيارات مماثلة فى كل أرجاء العالم. وهو ما يعنى أن العالم فى ظل سياسة السوق المفتوحة يعتمد بعضه على البعض.

زاد من ذلك الترابط التقدم الرهيب فى وسائل الاتصالات. ففى العالم اليوم خمسة مليارات هاتف محمول. وثلاثة مليارات مشاهد. ومليارا مستخدم للشبكة العنكبوتية. وأكثر من مائة وخمسة وخمسين مليون مدونة بالإضافة إلى خمسمائة مليون مستخدم لشبكات التواصل الاجتماعى «الفيس بوك ». ومائة مليون مستخدم لموقع «ماى سبيس»، أى الشبكات الاجتماعية للترفيه الاجتماعى. ومائة مليون مستخدم للينكند ان. ونحو سبعين مليون مستخدم لتويتر. وقد ساعد هذا التقدم الرهيب إلى تغير فى تركيبات الشعوب وهويتها. فهناك أكثر من مئتى مليون شخص يعيشون فى غير البلدان التى ولدوا بها.

وهناك ثلاثة ملايين طالب يستكملون دراستهم خارج بلادهم. مما جعل البشرية تمنح مائة وخمسًا وخمسين براءة اختراع سنويًا. حيث تكرس نسبة 1 % من ناتجها الإجمالى للبحث العلمى. لكن إذا كان أكثر من نصف عدد البشرية قادرين على القراءة والكتابة. فهناك نحو سبعمائة وخمسة وسبعون مليون بالغًا من الأميين حول العالم كلهم فى الدول الفقيرة. التبادل التجارى والصناعى ليس وحده هو من يربط العالم. لكن سباق التسليح يدخل ضمن منظومة الصراع العالمى والبحث عن أسواق جديدة للتداول تمامًا كالتبادل المالى. فهناك ثمانمائة مليون قطعة سلاح خفيفة يتم تداولها فى العالم. ثلثاها بين أيدى المدنيين. بالإضافة إلى اثنين وعشرين ألف سلاح نووى فى حوزة عدة بلدان. وهذا النوع من الأسلحة موزع بين أربعة آلاف وخمسمائة رأس نووى عملياتية وألفين فى حالة استنفار.

يعنى ذلك أن ألفا وخمسمائة مليار من الدولارات مخصصة للنفقات العسكرية فى كل أنحاء العالم. التبادل التجارى والصناعى والصراع على سوق السلاح جعل الناتج العالمى ينتج إلى ما يقرب من 70 تريليون دولار. هذا إذا أبعدنا جانبًا الاقتصاد الإجرامى من تجارة المخدرات والدعارة وغش الأدوية. مما يعنى أن نصيب الفرد يقرب من عشرة آلاف دولار. وهو ما يجعلنا فى مصر نخطو مسرعين نحو دخول المنظومة الاقتصادية العالمية.

 فمصر تمتلك مزايا متعددة لتكون دولة فاعلة فى تلك المنظومة. فلديها سوق كبيرة بحجم تعدادها السكانى وموقع جغرافى فريد وموارد أولية يحتاجها العالم فى ظل التقدم التكنولوجى كالطاقة النظيفة والغاز. كما أنها تمتلك إدارة واعية لما يدور فى العالم ونفوذ إقليمى نبيل وسمعة نظيفة. كما أن الاستقرار الداخلى والقوانين الاقتصادية الجديدة شجعت الاستثمارات العالمية لأن تأتى إلى مصر طالبة التعاون معها والاستفادة من مزاياها المتعددة. لقد تأخرت مصر كثيرًا وكان أمامها فرص لا تعد ولا تحصى لتواكب التكامل العالمى الذى تم منذ بداية الألفية الثانية.

 لكن الفرصة مازالت متاحة. وهو ما يقوم به الرئيس عبدالفتاح السيسى الآن بانفتاحه على العالم دون تبعية بل بهدف واضح وصريح وشريف وهو مستقبل الأمة المصرية ولمصلحة أهلها الطيبين .

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز