عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
إفريقيا «1»

إفريقيا «1»

بقلم : طارق رضوان

فى النصف الثانى من القرن العشرين، كانت أفريقيا على وشك التحرر الكامل، كل دولة كانت تتحسس طريقها نحو الحرية والاستقلال، بل كان العالم القديم كله فى طريقه للاستقلال بعد أن هرمت دول أوروبا التى احتلت كل أفريقيا لقرون ونهبتها، اجتمع المتحررون فى مؤتمر باندونج من 8 إلى 11 أبريل عام 1955 لإنشاء منظمة دول عدم الانحياز، الكل كان متفائلا إلا الزعيم الهندى جواهر لآل نهرو حكيم الدول المستقلة لتوها، كانت كلمته فى المؤتمر تاريخية وموجعة لخصت وضع أفريقيا بشكل خاص.



«أيها السادة أنتم تثيرون فزعى». هكذا بدأ، سرت فى القاعة ابتسامات وضحكات هامسة، لم يتوقف نهرو، وأكمل دون اكتراث، نعم أنتم تثيرون فزعى وإلى درجة الموت، أولاً: «إن كثيرين من أصدقائنا هنا يتكلمون عن الحرية والاستقلال، كثيرون خصوصًا من رفاقنا فى أفريقيا، إننى عددت كلمة «الحرية والاستقلال» فى كلام ممثلى الحركة الشعبية فى كينيا وروديسيا «زيمبابوى حاليًا» فإذا هى كثيرة، كثيرة جدًا، المندوب المحترم من كينيا كررها تسع عشرة مرة والمندوب من روديسيا كان أكثر تواضعًا، فقد كررها ست عشرة مرة فقط، ليس بين الذين سمعتهم أمس واليوم من لم يكررها عشر مرات على الأقل، أريد أن أسألكم ماذا تعرفون عن الحرية والاستقلال؟ ماذا نعرف جميعًا عن الحرية والاستقلال؟ إذا تصورنا أنها إعلان المستعمر القديم بأنه سوف يسحب حامياته من أراضينا ثم يوقع معنا قصاصة ورق فهذا هراء، ذلك سهل، وهم على استعداد لأن يفعلوه غدا، ولكن ماذا بعد؟ هل سألتم أنفسكم هذا السؤال؟

قلت لكم أنكم تثيرون فزعى لأنكم لا ترون ما هو أبعد من موقع أقدامكم، تشغلون أنفسكم باللحظة التى مضت وليس باللحظة القادمة، تطلبون الاستقلال، حسنًا، وتطلبون الحرية، حسنًا أيضًا، سوف يعطونكم ما تطلبون وسوف يوقعون معكم على قصاصات ورق، لم يعد فى ذلك شك لأسباب كثيرة. أولها أنه لم يعد فى مقدورهم أن يسيطروا عليكم بقوة السلاح، ولسبب ثان بعده وهو أنهم لم يعودوا راغبين فى السيطرة عليكم بقوة السلاح، انتشار الأسلحة الصغيرة بعد الحرب الكبرى الأخيرة جعلكم أقدر على المقاومة المسلحة واختلاف أوضاع العالم جعلهم فى غنى عن استعمال السلاح، وإذن فإنهم سوف يتنازلون «ساخرًا» ويوقعون معكم قصاصات ورق، حسنًا ماذا بعد ذلك؟ سوف تتولون المسئولية، سوف تجدون أنفسكم رؤساء لشعوبكم، لديكم قصور رئاسية ولديكم حرس وناس ولديكم سيارات رئاسة وربما طائرات، ليس هذا هو المهم، هل ستجدون لديكم سلطات رئاسة؟ لست متاكدًا، سوف تجدون لأنفسكم سلطة على رعاياكم ولكن لن تجدوا لأنفسكم سلطة على غيرهم، رعاياكم سوف يطلبون منكم جوائز الاستقلال ومن حقهم أن يتوقعوا تحسن أحوالهم بعد الاستقلال فهل لديكم ما تعطونه لهم؟ أشك كثيرًا لماذا؟ لأنكم جميعًا منهوبون، مواردكم نهبت فعلا أو هى مربوطة بنظم دولية تواصل عملية نهبها، وإذا لم تكن لديكم سلطتكم على رعاياكم وإذا كان هؤلاء سوف يطالبونكم بما سوف تكتشفون أنه غير موجود فماذا ستفعلون؟ تغيرون اتجاه سلاحكم من اعدائكم القدامى إلى أعداء جدد سوف ترونهم داخل بلادكم، ماذا ستفعلون؟

سوف تجدون فى بلادكم طبقات أكثر قوة من جماهير شعوبكم لأنهم تعلموا كيف يتعاملون مع النظام القديم وفى ظله وحماه كونوا ثروات ورتبوا مصالح، إلى من تنحازون؟ إلى القلة القوية أو إلى الأغلبية المقهورة؟ بعضكم سوف يقول أن لديه موارد ولكنها مستغلة بواسطة الآخرين ولصالحهم، حسنًا بعض رفاقنا هنا فى القاعة لديهم بترول وبعضهم لديهم نحاس وبعضهم زنك وحديد وذهب وماس أيضًا، ماذا سيفعلون بهذه الموارد؟ أحدنا قد يتحمس ويعلن أمامنا أنه ينوى استرداد هذه الموارد من أيدى غاصبيها، حسنًا، مصدق فعلها فى إيران وأمم البترول فماذا كانت النتيجة؟ وجد نفسه فى طريق مسدود بالحصار ثم وجد نفسه فى السجن حتى الآن بالانقلاب المضاد، أن مستعمريكم السابقين رتبوا أنفسهم قبل أن يوافقوا على الاستقلال وأقاموا أوضاعًا جديدة تستبدل إعلامهم القديمة بإعلامكم الجديدة،

ولكن هل سيغير هذا من واقع الأمر شيئًا؟ سوف تجدون أنفسكم أمام مشاكل وسوف يندفع بعضكم إلى أن يطلب من صندوق النقد الدولى أو البنك الدولى قروضًا، فهل سألتم أنفسكم من هم هؤلاء الذين يسيطرون على صندوق النقد الدولى وعلى البنك الدولى؟ نفس جلاديكم السابقين أخشى أن أقول لكم أنكم سوف تذهبون إلى الأسياد القدامى طالبين منهم أن يساعدوكم على مسئولية الاستقلال، وأى وضع هذا الذى يستنجد فيه الضحية بالجانى حتى يُساعده على تلافى آثار جريمته، جريمة الاستعمار لن تصححها قروضه وإنما سوف تزيده سوءًا لن تكون هذه هى المشكلة الوحيدة التى تواجهكم، لاحظوا أن حقوق الحرية التى طالبنا بها وناضلنا من أجلها كأوطان سوف تحدث أثرها فى داخل هذه الأوطان نفسها بمعنى أن جماعات كثيرة داخل أوطانكم سوف تطالب بحقوق فى الداخل سكتت عليها لأنها اختارت ألا تكسر الوحدة الوطنية فى ظروف المطالبة بالاستقلال لكنها بعد توقيع قصاصة الورق سوف تجد أن الفرصة ملائمة لتطالب، أقليات عرقية وعنصرية ودينية سوف تطالب بترتيبات خاصة نوع من الحكم الذاتى نوع من تحقيق الهوية الذاتية وربما يكون هناك تشجيع من قوى السيطرة القديمة فقد تعلمت بتجربتها أن تتعامل مع الأقليات من كل نوع، هل هذا كل شىء؟

 إنكم سوف تجدون أنفسكم بعد الاستقلال فى مشاكل حدود مع جيرانكم، خرائط معظم بلدانكم جميعًا خرائط جديدة رسمها الاستعمار فى بعض مناطق أفريقيا تحددت خطوط الحدود بالنقطة التى وصل إليها رحالة من هذا البلد أو شركة من بلد آخر أو حامية عسكرية من هنا أو من هناك، ماذا ستفعلون؟ هل ستدخلون بعد الاستقلال فى حروب مع جيرانكم، مع بعضكم، حسنًا، سوف نجد أنفسنا فى سباق سلاح مع هؤلاء الجيران سوف نصنع جيوشًا محلية ولأن كل البنى الاجتماعية والاقتصادية لدينا هشة فإن هذه الجيوش سوف ينتهى بها الأمر إلى أن تأمرنا بدل أن تنتظر الأمر منا، أننى لا أقصد أن أزرع اليأس فى قلوبكم، ولكنى أريدكم أن تأخذوا قضية الاستقلال جدًا، أنكم أو بعضكم على بابه فعلًا ولكن جواز الدخول إليه ليس بقصاصات الورق التى سوف توقعونها مع مستعمركم القديم، جواز مروركم إليه أن تكونوا جادين، أن تستشعروا أن كلمة الاستقلال وكلمة الحرية ليست تعبيرات فرح وإنما هى إثقال مسئولية مخيفة، هذا ما أريدكم أن تفهموه، إن السيطرة الجديدة لن تكون بالجيوش ولكن بالتقدم، التقدم هو وسيلة السيطرة الجديدة، أنتم متقدمون إذن فأنتم سادة، أنتم متخلفون إذن فانتم مقهورون مهما وقعتم من قصاصات ورق ومهما رفعتم من قصاصات قماش سميتموها إعلامًا، وأسألكم ما هو التقدم؟ اجتماعى بالدرجة الأولى، من منا يستطيع أن يعطى لشعبه نظامًا اجتماعيًا يحقق العدل لجماهيره وبأى ثمن؟ سوف تأخذنا جميعًا حمى التنمية وسوف نتكلم عنها ونملأ الدنيا كلاما، لكن هناك سبيلا واحدا إلى التنمية ألا وهو العلم، فماذا لدينا منه؟

أخشى أننا سوف نجد مصائر التنمية عندنا فى أيدى بيروقراطيات متعفنة فى بعض البلدان وعاجزة فى بعضها الآخر، صمت الجميع، ثم ضجت القاعة كلها بالتصفيق الحاد، كان هو ينظر إليهم متعجبًا ومبتسمًا نصف ابتسامة، غادر القاعة، وترك الألم فى النفوس .

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز