عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
تدمير الدول « 1 »

تدمير الدول « 1 »

بقلم : طارق رضوان

خطرةٌ هى مصر بموقعها وتاريخها ونفوذها وسمعتها وحجمها. وهى دومًا القلب النابض للقضاء على امبراطوريات. وهى التى تقلب الموازين الدولية. وهى البوابة التاريخية للعالم القديم. وهى الحصن الباقى للأمة العربية. استقرارها يفرد ويفرض استقرار محيطها؛  لذا فهى فى مرمى الهدف، وفى قلب الصراع العالمى. معرضة دومًا للحروب والاضطرابات والفوضى. ولولا جيشها الوطنى المخلص والمتماسك، لضاعت، وضاع من ورائها كل محيطها.



بحكم التاريخ، الامبراطوريات الجديدة تتصارع. وبما تملكه من تكنولوجيا حديثة وأسلحة كاسحة وقوة مفرطة لا يمكن أن تتم المواجهة المباشرة ما بينهما. الصراع الامبراطورى الجديد يتم ما بين الامبراطورية الأمريكية المكتسحة والامبراطورية الصينية المنتظرة. وكل ما يتم فى مناطق بعيدة أو قريبة فى العالم هى تفاصيل تترجم الصراع، لذلك استخدمت الامبراطوريتان الحديثتان أسلحة أشد فتكًا من أسلحة الحرب التقليدية المباشرة. الولايات المتحدة استخدمت وسبقت فى استخدام أسلحة الفكر؛ فكر متمثل فى جيش كبير وخطر من المفكرين الذين احترفوا تهييج القوة الأمريكية واستثارتها حتى تندفع لبعيد كل يوم. تهييج واستثارة للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب ومن المصالح. فالامبراطور يكره الشريك فى حكم الكوكب. هؤلاء المفكرون وضعوا للولايات المتحدة جدول أعمال منظمًا ًومنتظمًا يتضمن من بدايته خطة تغيير الشرق الأوسط  كله. فهو القريب والمحيط بالامبراطورية الجديدة. فكانت سياسة الانقلابات من الداخل. تجنيد وتدريب وإغراء وإغواء الأفراد واستغلال الحدث وتكبيره.

وهى لعبة مهمة لوكالة المخابرات أثبتت جدواها فى عدد من دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. ولم يكن الهدف من هذه الانقلابات الاحتلال المعتاد للمواقع الجغرافية كما فعلت الامبراطوريات القديمة للحصول على موارد بسرعة. فذلك كله يستطيع أن ينتظر. لكن المهم قبل كل شيء هو إخلاء ساحات وسحق أفكار واقتلاع حركات واغتيال أيديولوجيات. وإزاحة رجال ومنعهم من تثبيت أقدامهم فى أرض وزرع جذورهم فى تربة. وليس مهمًا إذا كان من عواقب ممارسات الإزاحة والاقتلاع والسحق أن تنحدر بعض البلدان إلى الخراب أو إلى الفوضى أو إلى الضياع. لكن المهم ترك الساحات خاوية مفتوحة بما عليها ولو كانت خرابًا وفوضى حتى يستطيع الفكر الأمريكى أن يحقق غرضه. وكانت المخابرات المركزية الأمريكية «cia» هى المحرك حتى لو لم تظهر أياديها واضحة. وهى عادة ذلك الجهاز الخطير. وهم يتبعون أسلوبًا حديثًا فى منطقة الشرق الأوسط  كله بما فيها إسرائيل حليفتهم التاريخية، وهى خطة وضعها كل من الجنرال روبرت إيفانى والجنرال هنرى شياتون رئيس هيئة أركان الحرب المشتركة فى نهاية القرن العشرين.

وقد قدمت إلى الرئيسين كلينتون وبوش الابن. الخطة كانت من أجل الحرب الجديدة. الحرب غير المتوازية. حرب امبراطورية  تمتلك قوة كاسحة أمام دولة صغيرة. لكن لها أهمية استراتيجية كبرى. أحد أهم تلك البنود فى الخطة هو البند الثانى وهو «المخابرات الموجهة المباشرة».  البند الثانى مضمونه الاعتماد على الجاسوس التقليدى القديم، أى «الجاسوس الإنسان»  الذى يزرع ويرسل فى الموضوع المطلوب لكى يعرف ويبلغ بدقة فى الوقت المطلوب. وهو عادة يتمتع بحماية كبرى لا يمكن الاقتراب منه. ومن ضمن البنود التى تقوم بها وكالة المخابرات الأمريكية هو الاغتيال المعنوى  – بالتشويه – للقضاء على سمعة الرجال. فعلتها من قبل لنكروما فى غانا.

وسكارنو فى إندونيسيا. وديسلفيا فى البرازيل. ونجحت. وحاولت من قبل مع جمال عبدالناصر وشوان لاى فى الصين. وأنديرا غاندى فى الهند. وهوجو شافيز فى فنزويلا. وفشلت. ولم تقتصر الوكالة على التجسس والاغتيال المعنوى والتشويه والمراقبة والاختراقات فقط. بل وصل الفكر لبعيد جدًا. وهو التطور العلمى لهذا الجهاز الجبار. فقد أنشأت الوكالة سرًا صحفًا وفضائيات فى عديد من بلدان العالم الثالث. تمويل هذه الصحف والفضائيات من مصادر الوكالة بشكل مباشر عن طريق وكلاء من رجال الأعمال. هذه الصحف وتلك الفضائيات لم تطلب من أصحابها شيئًا محددًا بالذات. بل ساعدتها فى الانتشار واكتساب شعبية من خلال مصداقية تلعب على وتر الاحتياجات العادية للناس. وتنقُد وتُكبّر كل ما هو سلبى. فتضغط وتسلط الضوء على الفقراء واحتياجاتهم. وتركز على الممارسات الديمقراطية وتشويه جهاز الشرطة وإبرازه على أنه جهاز استبدادى قمعى. وتكشف تزوير الانتخابات. ويعلو صوتها بالصراخ إذا اقتربت الدولة منها وتظهر حرية الفكر وحرية الصحافة وتصنف تلك الدول من جهات دولية عديدة أنها معادية للديمقراطية. ويتم التلويح بالعقوبات الدولية.

وبذلك تحقق تكييف اتجاهات تلك الصحف والفضائيات مع أغراض هذه الوكالة. كما أنشأت الوكالة سرًا أيضًا وكالات أنباء تبث ملايين الصور التى تعطى انطباعات معينة تريدها الوكالة أو تتلاعب بألفاظ وبنقط تركيز فيما تنشره وتوزعه لكى تغرس وتؤكد هذه الانطباعات فى وجدان الشعب. ودعمت الوسائل الجديدة فى عالم السوشيال ميديا. فابتكرت ونشرت على نطاق واسع بطرق حديثة ومغرية الفيس بوك وتويتر والواتس آب واليوتيوب والانستجرام وغيرها من وسائل الاتصالات الجديدة التى تنقل الحدث بالصورة والفيديو والكلمة والخبر والتعليق قبل أن يرتد إليك طرفك. كل تلك الأسلحة هى إحدى أدوات الامبراطورية التى وجهت ماسورة دبابتها إلى الشرق الأوسط لتحدث التغيير المناسب والملائم فى حربها الكبرى ضد الصينيين.

ولأن الحرب الحديثة لم تعد بالمواجهة المباشرة بل بتجييش دول صغيرة أمام العدو المستهدف. راحت الولايات المتحدة فى ترتيب الدول الصغرى لمواجهة التنين الصينى وهى من ورائهم تضغط وترقب وتدعم. وبانفجار ثورة السوشيال ميديا المستجدة فى تعدد المصادر وتدفق المعلومات وقدرة الصورة على نقل الوقائع وضخ الإيحاءات جعلت كل الطرق القديمة فى الإعلام العربى نماذج معرضة للإبادة. وفقدت قوتها ومناعتها وتأثيرها. وأصبحت خارج التاريخ.  فاستخدام عجائز الإعلام والنماذج القديمة به من وسائل وأفراد لم يعد يجدى وهو ما يترجم حاليًا فى حالة الضعف الإعلامى التى نعانى منها الآن. فالمنهج القديم بالوسائل وبالأفراد ومنهج التعبئة والإنشاء والإثارة وهى مناهج تعتمد على الضغط والإلحاح لم تعد ذات قيمة ولم تعد ذات نفع. وهو ما كانت تنفذه دول العالم الثالث. لكن تجديد الدماء وإقصاء رجال الماضى وإخفائهم وتعدد المصادر وتدفق المعلومات وقدرة الكلمة والصورة تقتضى تفتحًا وقبولًا واستعدادًا يستجيب للمتغيرات العالمية فى الإعلام. تدمير الدول فى خطط الإمبراطورية استطاع أن يبتكر ويتخطى الحدود.

إنها خُطط جديدة وضعت للتعامل مع العالم العربى. كل دولة على حدة. وإن كان هناك تشابه فى بعض الأحيان. لكن الغرض كان مختلفًا. دول تسقط أنظمتها فقط. ودول تباد من على الخريطة. فالأمة العربية تخوض حربًا شرسة. وفى تلك المرحلة لابد لكل فرد فى الدولة أن يعرف دوره وقدر دوره وأهمية دوره وخطورته. ولابد أن ننتبه. فأمامنا حرب جديدة تفوح رائحتها فى المنطقة. حرب شاملة ومدمرة وهى تجربة جديدة لابد أن نستفيد منها كامل الاستفادة. فالحروب لم تعد كما سابق عهدها، جيشًا أمام جيش وسلاحًا فى مواجهة سلاح. بل عقل أمام عقل. وفكر فى مواجهة فكر. ولم يعد هناك وجود ولا رفاهية وجود فقراء الفكر أو كراكيب الماضى .

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز