عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الولاء لمن؟

الولاء لمن؟

بقلم : طارق رضوان

بعد سنوات ضعف وهوان، شاخت الدولة وترهلت وأصبحت رخوة، فانفجرت الفوضى، ومن خلال الفوضى تسلل الغربان بنعيق نذير شؤم على الأمة المصرية. غربان جماعة إرهابية وغربان الانتهازيين، وعندما استعادت الدولة هيبتها وقدرتها وحيويتها، قضت على الجماعة أولا. فتلك كانت حرباً ملحة وضرورية، وفى الطريق إعلان لحرب جديدة. حرب على الانتهازية.



الجماعة الإرهابية خطرها كان يهدد هوية الأمة المصرية، ويهدد أمن الوطن وسلامة أراضيه، ويهدد حاضر ومستقبل الشعب. هدفها كان طمس الدولة بكل جغرافيتها وتاريخها وحاضرها ومستقبلها لخلق خلافة مزعومة، وخلق دولة مسخ مفككة. فكان القرار فوريًا وحتميًا وملحًا للحفاظ على الأرض المقدسة. كانت ملحمة رابعة أروع ما قدمته الدولة فى الدفاع عن نفسها وكرامتها وتاريخها ووجودها. ملحمة رابعة كانت حرب وجود. حرب مصير. قدمت الغالى من أبنائها فداءً للأمة. الجماعة كانت تستهدف أساس الدولة وأعمدتها لتتصدع وتنهار. ليرقص على جثتها كل الأعداء وبعض الأصدقاء.

فى حفلات صاخبة على شرف سقوط وانهيار مصر. لكن الأرض المقدسة لها رجالها المخلصين يقدمون أرواحهم فداءً لها. تمامًا كما حدث فى ملحمة أكتوبر العظيمة. وانتصرت الدولة فى الملحمتين. ملحمة أكتوبر وملحمة رابعة بشعبها وجيشها وأجهزتها. انتصرت برجالها المخلصين. وبدأت فى استعادة كبريائها وكرامتها وعاد لها شموخها القديم. وظهر على سطح الأحداث رجل لم يبخل بحياته من أجل الأمة. واختارته الأمة رئيسًا واثقة فى قدرته وإخلاصه ووطنيته النابعة من مدرسة الوطنية المصرية العتيقة وهى المدرسة العسكرية. فكان ولاؤه للدولة قبل أن يكون ولاؤه لنفسه.

اختار الطريق الصعب لبناء دولة قوية مراهنا على المستقبل وغير عابئ بشعبيته الطاغية أمام مصلحة البلاد. ومن أجل المستقبل، بدأ الرجل البناء الشاق متحملا وحده ومعه أجهزته المخلصة مشاق البناء وتبعاته. وهنا ظهرت غربان الانتهازية من جديد مستغلين انشغال الدولة فى البناء ليستخدموا فنون الانتهازية للوصول لمكاسب خاصة ضيقة. وهو ما يثير لدينا سؤالًا هامًا وملحًا. الولاء لمن؟ بالمعنى العلمى فالولاء هو حالة معنوية وشعورية يعتقد معها الإنسان أن مصيره (وليست مصالحه وحدها) ووجوده مرتبط نفيًا وإثباتًا بمصير المجموعة التى ينتمى إليها ويعتبر نفسه جزءًا أصيلًا وامتدادًا لها. فالانتماء والولاء هما العنصران المعنويان شديدى الأهمية والضرورية لبناء أى منظومة أو مؤسسة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو دينية أو عسكرية بما فى ذلك بناء الدول أيضًا.

لكن فى عصر ما بعد الفوضى التى مرت بها مصر ما عاد الانتماء أو الولاء يتشكل كشعور وعاطفة محضة وقيمة تورث وإنما قيمة تكتسب بناء على تحقق مصالح مادية محددة ومضبوطة (اقتصادى واجتماعى)، وتفرعت عنه ولاءات جديدة منها الولاء للمال والنفوذ والمناصب أو للشركة أو المؤسسة التى يعمل بها الفرد حتى وإن كانت من مؤسسات القطاع الخاص، لذا يمكننا القول باطمئنان أن الولاء والانتماء هما العاملان الرئيسيان لبناء الدول الحديثة. وبناء الأوطان، وبغيابها يعتبر (انعدام الولاء) عامل هدم الدولة ومؤسساتها ومجتمعها. هكذا يقول العلم. ولو قمنا بتطبيقه على حالة الدولة الآن نجد بالفعل أن الولاء للمصلحة هى سمة الكثيرين.

لا ولاء بدون ثمن. ولا دفاع عن الدولة بدون منصب. ولا تفسير لقوانين وقرارات بدون مقابل فورى. فدخلنا فى حالة ارتباك واختلطت الأمور لضبابية الرؤية وأصبحنا عرضة للهجوم الكاسح من الأعداء. وأدرك الشعب هنا أن أخلص رجال للدولة ولمشروعهم هو الرئيس عبدالفتاح السيسى ورجاله وأجهزته السيادية والرقابية والأمنية. يبنون دون ضجيج وينفذون دون انتظار مقابل. وقد خاطروا بحياتهم من أجل بناء الدولة بعد حالة من الضياع عاشتها مصر وسميت كذبا عصر الاستقرار. فقد ظهرت للدولة لوقت قريب مضاعفات تجلت فى سعة الإنفاق هيئ لنا معها وكأن مصر عثرت على كنز مدفون يفوق كنوز سليمان وعثرت عليها الحكومة فى آخر الزمان. فى تلك الفترة بدا وكأن كل شىء سهل. وكل مطلب متاح ومجاب. وكل اعتماد جاهز. وكل استيراد مباح. وكل مشروع دون انتظار لجدواه مقبول. وكل اقتطاع من الثروة العقارية خصوصًا فى المحافظات البحرية هدية لا ترد. ثم أنه فى المضاربات التى تعرضت لها الثروة العقارية فكل طلبات للقروض مقبولة وأحيانا أكثر فطغت موجة من التفاؤل غامرة. لكنها مزيفة. فأصبح الاقتصاد مهترئًا مهلهلًا. كانوا يجيدون صناعة البروباجندا فظن الناس أن الدولة مقبلة على النعيم. وظهر لتلك الحقبة منظرون ومنتفعون وكانت الصفقة. الولاء بمقابل. فأصبحت السمة فى تلك الفترة.

كل شىء بثمن. حتى الوطنية كان لها سعر. تلك الدولة انتهت الآن. ولا مكان إلا للعمل وللإخلاص والتفانى فى إنجازه. دون انتظار مقابل. الدولة عندما اختارت الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيسًا لها بدأت معه فى تنفيذ مشروعه تجاه الحاضر وتجاه المستقبل. وتعرضت الدولة نتيجة تلك الإجراءات لمخاطر مقبولة فى سبيل تحقيق الإصلاح المالى. وحتى تتهيأ الأرض والقاعدة لمرحلة التنمية الشاملة خصوصًا وقد تحقق انجاز يستحق التقدير فى تجديد منشآت البنية الأساسية وهذا تمهيد لم يكن هناك غنى عنه قبل الانتقال بالتغيير إلى مرحلة التنمية الشاملة. طبقة الانتهازيين معدومى الولاء كونوا كما فى السابق طبقة عازلة لوقف التقدم الطبيعى فى المجتمع. لا تقدم إلا بهم ولا مناصب إلا لهم ولا نفوذ إلا من بينهم.

وفى سبيل ذلك فهم يجيدون فنون إلصاق الاتهامات المعلبة. فاقتصرت الوطنية واختصرت عليهم. ومن يأتى من خارج عباءة تلك المنظومة. فهو هدف لإقصائه واغتياله ليخلو لهم وجه الوطنية المزعومة. وفى سبيل ذلك صنعوا الفتن. ففى الأزمنة الحديثة فإن صناعة الفتن إلى جانب عوامل الفتن لم تعد عود ثقاب يلقى بالمصادفة أو بالعمد على حطب ليشتعل. وإنما صناعة الفتن تحولت إلى هندسة وعلم. طول الجدل إلى حد الصخب وتبادل الاتهامات وتوزيع المسئوليات فى حوادث متفرقة قادر وحده أن يُحول خلافاً بسيطاً إلى أزمة عميقة بلا قرار ويُحرك المشاعر والغرائز ما يجعل الوهم نفسه يتجسد قضية حياة وموت. هؤلاء هم أخطر أعداء الدولة داخليًا بعد الجماعة الإرهابية. انتهازيون وكراكيب أنظمة سابقة فاسدة ومتوحشة ومفترسة. يريدون للزمن أن يتوقف عليهم. وفى سبيل ذلك يقتلون كل أمل للمستقبل. لكن الأرض المقدسة برجالها المخلصين فى القريب العاجل ستسحق كل هؤلاء. الدولة تبنى جمهوريتها الرابعة القوية والحديثة ولا مكان لأصحاب الولاءات الشخصية الضيقة. الآن. لا ولاء إلا لمصر. ولمصر وحدها.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز