عيسى جاد الكريم
هنا.. تجلى الله
بقلم : عيسى جاد الكريم
سيناء يا أرض الشهداء تهفو لك الأرواح، وكم من شجعان ضحوا بدمائهم من أجل أرضك، حنين رهيب لرمالها وكثبانها وأحجار جبالها، لوديانها وأشجارها، قطعة مننا ومن أرواحنا، وقدرنا أن يحمى أرضك المقدسة جنود مصر الأوفياء، فهذا شرف نالته مصر وشعبها، لأنه على أرض سيناء تجلى نور ربنا سبحانه وتعالى، وتجلي الله على جبل طور سيناء ثابت في الكتب السماوية، ففي القرآن الكريم يقول الله في كتابه العزيز:
"لَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ".. (الآية 143 سورة الأعراف).
ويقول عز وجل في القرآن الكريم في موضع آخر: "فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ".. (الآيتان 29-30 من سورة القصص).
وذلك تأكيدًا على قداسة أرض سيناء وتعظيم الله لها بتجليه عليها ومكانتها، لأنها شهدت دعم الله لنبيه موسى لنشر عقيدة التوحيد التي كان بنو إسرائيل يريدون أن ينسفوها قبل أن يثبتها نبيه في قلوب العامة تارة بوضع العراقيل أمام النبي، تراه بعبادة العجل، وتارة بطلب الملذات والطعام والشراب وتحكي الآيات عن صبر نبي الله موسى، وأنه سار بأهله مئات الكيلو مترات حتى وصل إلى جانب جبل الطور، والذى يرتفع ما يزيد على 2280 مترًا عن سطح البحر وعلى ما يبدو أن نبي الله وأهله عندما وصلوا لمنطقة جبل الطور وصلوا ليلًا ونتيجة لارتفاع المنطقة، فالأجواء كانت باردة فأرادوا أن يستدفئوا، ورأى سيدنا موسى نارًا من بعيد قرب الشجرة، في البقعة المباركة التي يؤكد الآثاريون أنها شجرة العليقة الموجودة في دير سانت كاترين، والتي يعرفها كل من زار الدير من قبل، وهي شجرة ليس لها مثيل في أي مكان آخر بالعالم، فذهب موسى ليحضر نارًا لأهله ليستدفئوا، وعندما وصل للمكان الذى رأى فيه النار، ناده الله من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة قرب الشجرة، قائلاً جل سبحانه: "إني أنا الله رب العالمين".
ما أعظمه شرف أن يكلم الله نبيه مباشرة دون وسيط تقديرًا لإخلاصه وتحمله المشاق لحمل رسالة التوحيد، وما كان من نبي الله موسى إلا أن طلب أن يزداد شرفًا وتشريفًا بأن يرى الله سبحانه وتعالى وأنواره، قائلاً: ربى أرني أنظر إليك، فرد عليه رب العزة قائلًا: "لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني".
وتجلى جل شأنه على جبل الطور بنوره فجعله دكا فخر سيدنا موسى صعقا من هول صوت الجبل، الذى دك وهبط من تجلى نور الله عليه، ومن ذهب إلى منطقة الجبال بمنطقة الطور وسانت كاترين، وقد زرتها أكثر من مرة، يلاحظ وجود مساحة شاسعة منبسطة بين الجبال استوت بشكل غريب بين الجبال العالية التي لها قمم عالية مسننة أحجارها صلدة، وهى إشارات قوية إلى أن ذلك حدث بفعل قوة عظيمة، من يذهب لمنطقة الطور ويقف في هذه المنطقة يشم رائحة طيبة نفاذة تريح القلب وتنعش الجسم.
قدرنا أن نحمل هم حماية الأرض والوادي المقدس، الأرض التي تجلى الله سبحانه وتعالى عليها، وهو شرف نستحقه ونبذل من أجله الأنفس والأرواح الغالية، وتأتى ذكرى تحرير سيناء في 25 أبريل من كل عام، لتؤكد أن شرف حماية الوادي المقدس شرف عظيم نستحقه كمصريين، وسنحافظ عليه، وما تقوم به قواتنا المسلحة وجنودنا الأبطال المخلصون في العملية الشاملة سيناء 2018 هو جهاد ودفاع عن الأرض والعرض، فإن الله سينصرهم بنصره ويعزهم بعزته.