مصر .. الناموس والتاريخ
بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر
مصر هي تلك المساحة من الأرض التي أنزل نوح عليه السلام عليها حفيده (مصراييم) من سفينته بعد غرق الأرض خلال الطوفان العظيم ، والذي جعله الله عقابا للكافرين به من البشر ، وسميت هذه الأرض باسمه (مصر) تخليدا لذكرى أول من عمرها بعد الطوفان ، خاصة وأنه اختارها حبا لها بعد علمه أنها أرض لا تحرسها الملائكة لأن الله يحرسها بعينه سبحانه وتعالى ، أو هكذا أخبره جده أبو البشر وأول رسول لله بعد آدم عليهما السلام ، والباحث عن حقيقة تلك القصة أو الأسطورة كما يحب أن يسميها العلمانيون ، يجد أحداث التاريخ تثبت هذا التفرد والتميز لهذه الأرض عبر تاريخ البشرية القريب والبعيد ، ثم يعلنها الخالق العظيم جلية ولا جدال فيها في كتابه الوحيد الصادق والدقيق والباقي على الأرض بين أيدي البشر ، وهو القرآن العظيم ، فمصر هي الوحيدة المذكورة فيه ثلاثة عشرة مرة ، خمس مرات باسمها ، وثمانية (8) مرات بمعنى المدنية والحضارة ، وهي البلد الوحيد التي أقسم الله به ووصفه لها بالأمين بقوله سبحانه (وهذا البلد الأمين)، بل ، وهي البلد الوحيد على الأرض التي حدد الله حدودها ثم أقر سبحانه أمنها في قوله تعالى (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) .
وعلى أرض الواقع فمصر هي مقبرة كل الغزاة وتلك حقيقة لا جدال فيها ، وهي الأمة الوحيدة التي تهضم كل حضارات وطبائع ولغات ومعتقدات كل من يدخلها منذ فجر التاريخ بداية من ذوبان الهكسوس في الهوية المصرية حتى استبدلوا أسمائهم وآلهتهم وعاداتهم ومقدساتهم الآسيوية بأخرى مصرية في أقل من ثلاثمائة سنة ، ومرورا بالرومانيين الذين تحولت حاكمتهم على مصر (كليوباترا) لمصرية الهوية والطباع والتاريخ ، ثم الفاطميين الشيعة الذين صبغهم المصريون بصبغتهم الصوفية وانتهى حكمهم دون أن تغير مصر من هويتها ، ثم الاحتلال الفرنسى وزواج قائدهم مينو بمصرية وإسلامه ، وبعدها الاحتلال الانجليزي الذي خرج رجاله من مصر وهم يتحدثون العربية ويعشقون نيلها وترابها ولم يستطيعو تغيير لغتها مثلما فعلوا في كثير من البلدان ، وانتهاء بالاحتلال الماسوني لأخوية المسلمين وتجار الدين والذين أسقطهم المصريون بعبقرية غير مسبوقة وللأبد ، فمصر حالة خاصة في تاريخ البشرية رغم أنف المنكرين والحاقدين والمدعين بالباطل ، وأيضا رغم أنف كل الجاهلين بناموس الله على أرضه ، وكفى مصر أنها ما زالت المحطمة لكل آمال الطامعين والمتآمرين ، وهو ما ذكرته هيلاري كلينتون في كتابها (خيارات صعبة) بعد فشل أمريكا في تكرار أيا من السيناريوهات العراقي أو الليبي أو السوري لدخول مصر وتقسيمها في مؤامرة الربيع العربي الكبرى ، والتي انتهت بتصريح معهد استانفورد التابع للمخابرات البريطانية بقوله { لقد وجه الجنرال المصري الملقب بعبد الفتاح السيسي ركلة قوية للمؤخرة الأمريكية الرخوة أفقدت أمريكا توازنها وأفسدت مخططاتها} ، ولم يسفر الأمر عن هذا فقط بل أوقفت مصر مخطط تقسيم الشرق الأوسط الكبير بعد بدايته في كل من السعودية ودول الخليج وقبل اقتراب نهايته في كل من العراق وسوريا وليبيا والمعروف باسم (سايكس بيكو 2)، ثم أخيرا قلبت الطاولة على كل المتآمرين وأجبرتهم على إعلان حربهم على أذنابهم ذئاب الإرهاب بداية بداعش وانتهاء بقطر المزعومة والتي صنعوها ومولوها ويديرون مخططاتها ولكنهم اليوم يخضعون للإرادة المصرية ويهادنونها مجبرين حتى ولو حاولوا في الخفاء النيل منها فكفاهم أنه يذعنون مجبرين في كل جولة للدولة المصرية واستراتيجيتها القوية ، وليس مهارة ولا عبقرية من البشر بقدر ما هو إعلان لانتصار ناموس الله على أرضه.
وربما تخطفنا أحيانا أو غالبا بعض أحداث بعينها لنغرق في تفاصيلها ودوافعها وتداعياتها والجدال حولها ، ولكننا لا ننسى ولا نتغافل أن السقوط في متاهات الأحداث هي أبرز وأهم أهداف (استرتيجية الإلهاء) التي يجيدها ويحترف استخدامها من يتخيلون أنهم يحكمون العالم ، ويسيطرون على الغالبية العظمى من وسائل وأدوات وأموال الإعلام في العالم عامة وفي الشرق الأوسط بصفة خاصة ومركزة ، ولعلهم قد أدركوا أو ظهرت لهم علامات تؤكد أن محاولة النيل من مصر (فاشلة) بحكم التاريخ والأحداث والذي هو في الحقيقة يمثل مراد الله في خلقه وعلى أرضه ، وليس هذا تدينا ولكنه ذكاء في التعامل مع معطيات الحياة وحكمتها التي قضى الله أن يدرك كل إنسان حقيقتها التي تجاهلها فقط في لحظات موته المكتوب على كل البشر ، ولا يدرك حقيتقتها في حياته إلا من تعلم كيف يمعن فكره ويتدبر أحوال الدنيا والبشر ويربط مراحل التاريخ ببعضها فيدرك اتجاهات حركة الحياة ومستقبل البشرية القادم لا محالة .