

محمد نوار
عبد المأمور!
بقلم : محمد نوار
من الأقوال الموروثة عبارة "عبد المأمور"، والتي جعلت البعض عبيداً لرؤسائهم، ينفذون أوامرهم مهما كانت خاطئة، وحسب المؤرخ "الجبرتي" أن بداية استخدام تلك العبارة حدث في أوائل القرن 19، في زمن محمد بك الدفتردار، والذي كان لا يتورع عن ارتكاب المذابح، وهو أحد أعوان محمد علي في حكم المصريين.
فالمستبد لا يستبد وحده بل يحتاج لمساعدين، ولذلك كثر عبيد المأمور، وصارت عبادة المأمور بالتدريج قوة في نظر البعض.
ولتحليل تلك الظاهرة ابتكر علماء النفس اختبار "ملجرام"، والذي يهتم بدراسة سلوك الطاعة للأوامر، من خلال إيهام الشخص المراد اختباره بأنه يقوم بعملية صعق كهربائي لشخص آخر حتى الموت بناءً على أوامر رئيسه الدكتور، وقد خرج البعض من الاختبار مرضى وغير مستقرين نفسياً.
وحلل الباحثين نفسية مساعدي هتلر في عمليات الحرق والإبادة، بأنهم يبررون ذلك بحماية بلدهم بهذه الطريقة، فهؤلاء الذين ينفذون الأوامر الإجرامية يحملون مسئولية أخطر تجاه الجريمة، ولولاهم لم يستطع أي حاكم مجرم أن ينفذ أي جريمة بحق الناس.
ويروى عن ابن تيمية عندما كان مسجوناً في سجن القلعة، سأله أحد الجلادين أن يسامحه لأجل ما يفعله به لأنه "عبد المأمور"، فرد عليه ابن تيمية: "بل سأدعو عليهم وبك سأبدأ، لأنهم لولاك ما ظلموا"، ولذلك جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
وأخبرنا تعالى أن سبب استبداد فرعون هو طاعة الناس له: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ..) الزخرف 54، ويوم القيامة سيتبرأ المأمور من عبد المأمور: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ) البقرة 166، وسيكون العذاب للإثنين.
إن عبارة "عبد المأمور" من أساسيات صناعة الاستبداد، وتوحي أن قائلها ليس عليه أي ذنب إذا أمره رئيسه بفعل ما يغضب الله، مع أن كل إنسان مسئول عن أفعاله مسئولية كاملة، وبدون "عبد المأمور" ستكون الأوامر أكثر عدالة وحرية ومسئولية عندما يصبح الإنسان حراً مأموراً، لا عبداً مأموراً.