عاجل
الجمعة 16 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
حكاية بنت هزمت تقاليد الأرياف..!

حكاية بنت هزمت تقاليد الأرياف..!

بقلم : د. دينا أنور
مش كل البنات ضحايا، فيه بنات كتير بيستسهلوا يكونوا ضحايا، فيه بنات كتير بيتأقلموا مع الظلم والعبودية وقلة الحيلة والتبعية للذكور، وبيوصلوا لمرحلة من العجز إنهم بيحاولوا يقنعوا نفسهم إن ده الصح وإنهم كده بيرضوا ربنا وأهلهم والمجتمع.
 
لكن الحقيقة إن في بنات قليلين قوي اتمردوا على واقع مر جداً، وإستحملوا قهر وإهانات وتهديدات وظروف صعبة جداً عشان يقولوا للظلم لأ، وبالفعل نجحوا في فرض شخصيتهم على اللي حواليهم وقدروا ينتزعوا حقوقهم وحريتهم ولو بعد معاناة وألم، وبطلتي النهارده نموذج حي للبنت القوية اللي هزمت تقاليد ريفية بحتة بتستعبد البنت وتعاملها أقل من إخواتها الذكور وبتفرض عليها تخدمهم وتستحمل تسلطهم، بطلتي نجحت إنها تفرض إحترامها على إخواتها وعيلتها، وتجبرهم يعترفوا بكرامتها وحقها في المعاملة الكويسة، رغم إنها مرت بتجربة صعبة جداً عشان توصل لكده، لكن الحقيقة الموجودة قدامها وقدامنا دلوقتي إننا أمام إمرأة قوية في أقصى مجتمعات الأرياف، قوية بشخصيتها وإرادتها، رغم إن كل الظروف كانت  ضدها..!
على لسان بطلتي بتحكي وبتقول: 
انا انسانة ربنا سبحانه و تعالى حبانى بعقل ناقد،  مش بيحب ياخذ الحاجة مسلمة بعيوبها، شخصيتى الغريبة على مجتمع الجوارى الشرقي اتكونت نتاج لعوامل رئيسية، التربية المتزمتة فى السعودية والحياة مع الفكر الوهابي البغيض، الأم المتسلطة الذكورية صاحبة الشخصية المسيطرة بسبب كونها اتولدت و نشأت بين خمس صبيان، وكانت المفضلة عليهم كلهم، فشخصيتها كانت تسلطية، عكس ابويا الى اتربى بين ست بنات فكانت شخصيته مهزوزة بعض الشيء بين القسوة المفرطة و اللين المبالغ فيه.
 
اتربيت تربية فلاحى بتخلى البنت الأول خدامة للأخ والأب، بعدها للزوج وأهله، ولكن القراءة  كونت شخصيتى الناقدة لكل شيء، رغم أنها خلقت لى صدامات مع اللي حواليا حتى أفراد اسرتى، إلا انها علمتنى أنى أفهم وأفكر و كمان أواجه..
 
أنا فى الاصل اتولدت فى  السعودية واتنقبت من اولى ابتدائي، ودرست حاجات لا تتخيليها يا دكتورة، منها مثلا انهم درسونا الموت والتكفين وعذاب القبر فى 6 ابتدائي، كنت بشوف المدرسات السعوديات منتقبات بس تحت النقاب ملابس خليعة جداً ولا أجدعها رقاصة.
 
فى البيت بقى نيجى لأمى وأخويا الكبير،  لما أخويا الكبير اتولد، جدى كان طاير من الفرحة إن أخيراً اسمه هيعيش لأن بابا ما كانش ليه اخوات رجالة، وأمى تربيتها ذكورية فى الأصل، كل ده خلى أخويا الكبير يكبر وهو حاسس بتميز عليا و على أخويا الصغير رغم انى كنت اشطر منه فى المدرسة.
 
ماما ربتنى على الآتي:  قومى اعملى لأخوكي شاي،  قومى رتبي له الأوضه،  وكنت فى الاول بعمل  عادى لحد ما اتضايقت جدا، وقلت لها هو ليه ما يرتبش لنفسه قالت عشان هو راجل..!
 
هو كان بيدى لنفسه الحق انه يضربنى، وكنت بقول لبابا ولماما، كانوا بيقولوا أخوكي الكبير وعيب ما تسمعيش كلامه، وكان بيشتمنى وممنوع أنى أرد عليه، كل ده قدامهم وهم ولا هم هنا، كنت بكرهه كره العمى ، كل شوية قومى اعملى شاي قومى رتبي قومى اعملى، و هو يروح يصيع فى اي حته هو عاوزها.
 
أخويا الصغير بقى من النوعية اللى تورطك فى مشاكل ويطلعك عن  شعورك، وبعدها برضه انتي اللى غلطانة وانت اللى تنضربي، كانت ماما تتوحش قوى عليا وقدامه قطة وديعة، رغم انه كان بيزعق لها ساعات. 
 
عارفة يا دكتورة  كل اللي كان مورطنى فى مشاكل إنى كنت رافضه ده و بقاومه، و كنت بشتكي لأخوالي، وكنت بشتمه لما يشتمني، و كنت ساعات أرفض أعمل له حاجته وانضرب من بابا وبرضه أرفض أعمل له، وأرفض التربية الفلاحى اللى بتخلى البنت لازم تخدم أخوها وهو قاعد بس لمجرد أنه ولد وهى بنت. 
 
جات فترة كنت مش طايقة نفسي فيها و كنت بقول لماما انتي ليه بتعامليهم أحسن منى أنا واختى و كنت بواجهها وأقول لها ليه؟؟  تقول لى عشان هو ولد. 
 
جات بقى القشة الى قصمت ظهر البعير، أخويا الصغير اللى أصغر منى بأربع سنين ضربنى بالقلم على وشي؟؟ تخيلي مع اضطهاد الكبير و تسلط الأم و ضعف الأب و تذبذبه بين القوة والضعف، قررت انى أسيب البيت،  كان قرار غريب عليا، أنا كنت لسه جاية طازة من السعودية وعايشة فى طنطا وهى بلد فلاحين، أخذت القرار إنى أهرب من الجحيم رغم إنى كنت عارفة كويس انا كنت ممكن أتعرض لمشاكل .
 
جه اليوم الموعود لبست شبشب و جلابية البيت عادي وايشارب من ورا وقلت أنا رايحة عند جدتى، و كان الظهر رحت و قعدت ماشية ماشية ماشية أكثر من 5 ساعات مش عارفة أنا رايحة فين،  كنت مش عارفة ايه طنطا وايه غيرها، قابلنى وأنا فى الطريق واحد راكب تريلا وركبنى معاه،  و قولت له انى هربت من البيت قال لي هوديكي اسكندرية،  فوجئت بيه بيقلع البنطلون وبيتحرش بي جنسيا، طبعا بنت فى سنى مع الجهل و الصدمة و الهروب من البيت كان ممكن يبقى رد فعلها ايه، قلت له بمنتهى القوة ايه اللي  بتعمله ده، وصرخت وزعقت  لحد ما خاف مني و نزلنى فورا.
 
بعدها قابلت ناس طيبين على معدية شافتنى الست فى حالة مزرية، قالت لي إنتي منين وليه عاملة كدة، أنا كنت صريحة قوى قلت لها على كل حاجة ، الست الطيبة جابت لى أكل وركبتنى المعدية هى ومع اولادها، و كل ما واحد ييجي تقول له انت من طنطا،  لحد ما جه راجل طيب كان من شارع عندنا، ركبنى القطر وودانى على بيته، على ما ارتاحت و اتغديت  قعدت  بعدها ودانى على قريتى، أمى كانت منهارة عصبيا و اخواتى و اخوالى واعمامى دوروا عليا فى كل مكان ، بعدها بعد ما اطمنوا ، الراجل الكبير فهمهم على كل حاجة.
 
 و جات أحلى لحظة فى حياتى، بابا  فى مواجهة أخويا بيقول له التالى: "من هنا ورايح ما لكش دعوة بيها، أمك هى اللى هتعمل لك حاجتك و حاجة أخوك، لا تضربها ولا تشتمها ولا ليك دعوة بيها"، ولأخويا الصغير نفس الشيء، عرفت خالى الكبير كل حاجة وهو قعد مع ماما و فهمها إن عيب أنضرب فى السن ده، وفكرها هى كانت بتتعامل ازاى فى بيت اهلها،  وإنى بنتها لازم تعاملنى كويس. 
 
الكل استجاب لشروطى، الكل اتحط قدام الامر الواقع، والكل بعدها سابنى فى حالى، حتى أخويا الكبير بقى لما يعوز  حاجة كان يستاذن بكل أدب واحترام، وأنا ما بقتش أشتمه زى الأول . 
 
الحاجة اللى تزعل  إنهم ما عملوش كدة احتراما لإنسانيتى، عملوا كده  بس عشان كانوا خايفين من الاغتصاب والفضيحة،  ما هي اللي ما همهاش المشوار اللى مشيته ولا الجوع ولا تقطيع رجليها  قد ما همتها كرامتها لازم يتعمل لها ألف حساب.
 
 الحاجة اللي تضحكك إن البيه أخويا سافر برة  واتجوز واحدة  قد أمى فى السن،  بقى يطبخ و يغسل ويمسح لنفسه لما ييجي اجازة، يعمل لنفسه الشاي وساعات بخليه يعمل لى معاه كمان. 
 
باختصار اللى عايزة تغير حياتها هتغيرها، وأنا أفضل إنى أعيش بكرامة ان شاء الله فى عشة على أني أكون خدامة لواحد كل ميزته عليا انه ذكر..!
 
خلصت الحكاية اللي دبت في الروح وحسستني إن فيه أمل، فعلا التغيير ما بيجيش وإحنا حاطين إيدينا على خدنا ومستسلمين، التغيير بييجي لما بنطالب بحقوقنا وبنتمرد على اللي بيظلمونا، ساعات الثمن بيكون غالي والمعاناة بتكون كبيرة والتهديدات والمخاطر بتكون شديدة، لكن طعم الإنتصار لما بنعمل الحاجة اللي بنحبها وبنجبر اللي بيظلمونا إنهم يتوقفوا بيكون جميل وبيعوض عن أي ألم عيشناه أو أي مرارة استحملناها، والأهم من كل ده لما تحسي إنك فخورة بنفسك وعندك استعداد تحكي تجربتك لغيرك من البنات بكل إعتزاز عشان يعملوا زيك ويعيشوا بكرامة وعزة نفس و حرية زي بطلتي النهارده. 



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز