عاجل
الجمعة 27 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
رمضان .. وعبقريات النفوس

رمضان .. وعبقريات النفوس

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

بلا جدال .. رمضان ليس شهرا مثل كل الشهور .. وليس شهرا مختلفا فقط .. ، بل هو الاختلاف بعينه وعقله وروحه ، فمنذ نعومة أظافرنا ونحن نعلم أن لرمضان خصوصية عظيمة في تربية النفوس أو هكذا علمونا وترسخ في عقولنا ونفوسنا ، وعندما اقتربنا من حدود سن الرشد بدأنا ندرك أن لرمضان خصوصية أكبر وأعظم وأجل في التنقيب في النفوس وإخراج عبقرياتها من جعبة المجهول لعالم المدركات ، وربما يكون كلامي هذا عجيبا ولكننا كبشر لا نكتشف أنفسنا إلا بكثير من الجهد والكد والكدح بل والضغط والمعاناة ، فالتدليل لا يصنع إلا أشباه البشر ، وهو ما يكتشفه الكثير من الشباب بعد انتهاء مرحلة التجنيد في القوات المسلحة على سبيل المثال ، وربما هذا أحد أسباب ما نراه متفشيا بين بعض شبابنا الذين تربوا على توفير كل مستلزماتهم من منطلق (حتى لا يعانوا مما عانيناه) من تواكل وعوار في قدراتهم النفسية وانتظارهم دوما لمن يعطيهم فرصا لا يستحقونها ورفضهم بذل الجهد أو التعب من أجل مستقبلهم ، حتى أن رمضان بالنسبة لكثير منهم لا يمثل سوى موسما للنوم حتى منتصف النهار وربما آخره ولا يعرفون اليقظة إلا بعد الإفطار فيما ندر حيث يبدأون يومهم المسحول بيولوجيا من غروب الشمس وحتى الصباح التالي .



واستعراضا لرمضان منذ عقود قريبة نجده قد كان موسما لتفجير عبقريات كثيرة كان وما زال بعضها أوسمة على صدور شعوب تخطف ببريقها عيون التاريخ وتجلل أصداءها سمع الزمن ، فانتصار أكتوبر 73 كان في العاشر من رمضان ، سبقه إعداد طويل لأمة كاملة من وراء جيشها الذي كان يومها يقارب الملايين الثلاثة وخلفهم قيادات ورجال خططت ودربت واستعدت وأدارت أكبر عملية خداع استراتيجي في التاريخ الحديث ، خدعت فيها العالم أجمع وفي مقدمته دولا عظمى كانت تتباهى بامتلاكها لأعتى وأقوى وأذكى أجهزة الاستخبارات ، ثم نفذت أسرع وأنجح عملية عسكرية بعد الحرب العالمية الثانية ما زالت ملامحها العسكرية والاستخباراتية تدرس في أكاديميات الحرب الاستراتيجية والعالمية ولم تكشف عن الكثير من أخطر وأهم أسرارها حتى اليوم ، بل وما زلنا نحن عاجزين عن صياغة وتسجيل بطولاتها وغارقين في بطولات مزيفة ومختلسة وموجهة من استوديوهات المخابرات المركزية الأمريكية في هوليود إلى عقول ونفوس شبابنا وأبناءنا بل وأطفالنا الذين أصبحوا ضحايا لعجزنا وجهلنا وسوء تربيتنا وفشلنا في وضع استراتيجية تربية سليمة عبر عقود خمسة مضت .

ولن نخوض كثيرا في أدلة على تفجير رمضان لعبقريات وقدرات النفوس في الماضي ، بل يكفينا أن نتذاكر سويا ماذا فعلنا في أنفسنا لنقتل ونطفيء شموع العبقرية في نفوسنا ونفوس أبناءنا عبر العقود الماضية ، فهل يكفينا أن نتذكر من يعين معيدا في كلياتنا وجامعاتنا العامرة ، وكم عدد الهاربين لخارج مصر بعد يأسهم من الحصول على فرصة تحقيق الذات وتقديم ما يحملونه من قدرات وإمكانيات عقلية ونفسية لخدمة بلادهم ، أم يكفينا أن نتذكر سويا كيف ومن يحصل على الوظائف المميزة والمراكز الحساسة وصاحبة المستقبل المزدهر في مؤسساتنا ، أم يكفينا أن نذكر كم الفشل والخراب والتدني الذي تعاني منه مؤسساتنا على أيدي هؤلاء الذين حصلوا على ما لا يستحقونه بالواسطة والرشوة والمحسوبية وهم يعلمون جيدا أنهم لا يستحقونها بل وعليهم ديون لمن كسر أعينهم بتعيينهم لابد من سدادها ، أم يكفينا أن نصم الآذان عن طلب رئيس الوزراء السابق لاستجلاب عمالة من الصين ولدينا ملايين من (الفشلة والكسلة ودلوعة والديه) من حاملي مختلف أنواع المؤهلات الذين ينامون طوال النهار ، وكثير منهم يرى في نفسه (عبده موتة أو الامبراطور أو الأسطورة) ومعظمهم ضحايا للسقوط في مستنقعات الخلاف على نجوم الكرة والبلاي استيشن ونجمات الإغراء .

نعم هناك رئيس دولة وخلفه النواة الصلبة للدولة ينحتون في الصخر ويسابقون الزمن ويقاتلون من أجل بلادهم ويخوضون حروبا مريرة وشرسة غير مسبوقة في قذارتها وخطورتها وتعدد وجوهها وأساليبها  ، وتديرها مع وضد أعتى أكبر وأخطر أجهزة المخابرات في العالم ، .. ونعم نقدر حجم إنجازاته السريع والكبير بل والمعجز والمبهر .. ونعم نرى بعيوننا تأييد الله له ونصره له تباعا ونشعر أن الرجل شديد الإخلاص والولاء لوطنه وشعبه ونشعر أن الله يؤيد خطواته ويفتح له أبواب كرمه ورزقه ، ولكن .. ما يؤرق النفس ويشتت الفكر هو ما نراه مستمرا بل ومتزايدا من ممارسة العامة للجهل والتنطع والحمق في التعامل مع متطلبات حياتهم دونما جهود أمينة من مؤسسات بعينها لتصحيح توجهات هذا الشعب وتقويم سلبياته النفسية والفكرية بل والسلوكية ومساعدته للحفاظ على قدراته وإمكانياته المهدرة بلا عائد ، خاصة الأجيال القادمة من الشباب والتي من المؤكد تعاني من حالات الضياع وفقدان الاتجاه وهي نتائج منطقية لما بعد الثورات وأكثر منطقية لنتائج أساليب تربيتنا التواكلية المفسدة بحجة (حتى لا يعانوا مما عانيناه) ، وليتنا تركناهم يعانون ويكدون ويجتهدون ويتعلمون ويشتد عودهم الرخو فلا نرى شبابا يفطر رمضان علنا بلا حياء ويكذب القرآن العظيم فقط حتى لا يكذب إمرأة ...... (اللهم إني صائم)  وهي تدعي أن رمضان عادة فرعونية .

وأخيرا لا شك أن الأخطاء معروفة ومرصودة ومحددة ، والإصلاح معروف وخطواته محددة ولكن من يبدأ ، ومن يتحمل مسئولية البداية ويواجه تيارات الرفض والمقاومة بل وحروبا معلنة وخفية من الداخل والخارج ، وكأننا كشعب وأمة اعتدنا أن يقودنا زعيم ونحن وراءه ، وكأن من يتحملون مسئولية إدارة المؤسسات ليسوا أكثر من سكرتارية فاشلة لا ضمير لها ولا أمانة ، ولا تمتلك قدرات أكثر من احتراف لفنون التنصل من المسئولية حتى ولو كانت مسئولية الإخلاص في صوم رمضان بينهم وبين أنفسهم لله وحده ، وينسون أن الله غني عن حرمان ابن آدم من طعام وشراب لو كان الصوم لا يعني سواهما ، وينسون أننا نصوم لتذوق نفوسنا ضعفها وتتعلم كيف تفجر طاقاتها من ضعفها ، لنتعلم الخوف من الله تعالى والخوف من حسابه وغضبه وسخطه (لعلكم تتقون) ، فليتنا نخلو لنفوسنا ونواجهها بضعفها وسلبياتها وأخطائها ونحاسبها قبل أن يفاجئنا الموت بحساب الله كاملا في لحظة ، وهي لحظة واحدة ووحيدة تختزل كل حياة الإنسان في حروف ربانية بليغة يقول فيها سبحانه  {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ }الانشقاق6 .

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز