عاجل
الإثنين 28 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
مخططات «أوباما» لمواجهة نفوذ «بوتين» في سوريا

مخططات «أوباما» لمواجهة نفوذ «بوتين» في سوريا

بقلم : مصطفي الأسواني

رغم كل ما قيل عن أن تدخل الرئيس فلاديمير بوتين في سوريا مقامرة تقوده إلى الهاوية، يهدف من ورائها إلى الإبقاء على حليفه السوري الرئيس بشار الأسد، وكسر هيبة الإدارة الأمريكية وإحراجها عالميًا، ما سيدفعه إلى تكرار تجربة روسيا في أفغانستان - بوتين يدرك تمامًا هذه المخاطر - إلا أنني أرى أن الهدف الأول من ذلك التدخل يكمن في تحويل الانتباه عن الصراع «الروسي - الأوكراني» الأكبر والأهم بالنسبة له في الوقت الحالي.



تأتي بعد ذلك أهداف ثانوية أخرى، تتمثل في إبراز روسيا على أنها شريك متساوٍ في محاربة الإرهاب العابر لحدود الدول، ووضع موسكو كقوة عالمية بالتوازي مع الولايات المتحدة، إضافة إلى سعي بوتين لإيصال قواته البحرية إلى أبعد من البحر الأسود من خلال إرساء وجود كبير لها في سوريا، والتعاون العسكري المشترك - الجديد - مع القوات البحرية المصرية أيضًا.

وبصورة عامة، فإن القوات الروسية المتواجدة على الأراضي السورية -تحت أي مسمى، وبأي عدد- تستطيع تغيير أوضاع الحرب المحتدمة في سوريا لصالح نظام الأسد، ومساعدته على استعادة قدراته الهجومية، وزيادة فعالية القتال في صفوف القوات النظامية ضد المعارضة، والقدرة على استعادة الأراضي تدريجيًا والحفاظ عليها، فضلاً عن إحجام عدد كبير من أفراد الجماعات الجهادية في سوريا عن مواجهة القوات الروسية هناك.

وما أود الحديث عنه في مقالي هنا، يتمحور حول الدور الذي ستلعبه الولايات المتحدة في سعيها إلى استعادة نفوذها وهيبتها من جديد، وكذلك مخططات الرئيس الأمريكي باراك أوباما لتحجيم الدور الروسي والحد من نفوذ نظيره الروسي، ومحاولاته للحفاظ على حلفائه إلى جانب كسب حلفاء جدد قدر الإمكان، والعمل على تأمين مصالح بلاده في منطقة الشرق الأوسط، والحرص على سلامة وأمن الاحتلال الإسرائيلي القريب جدًا من مناطق النزاعات المسلحة.

وحتى تتمكن واشنطن من تحقيق أهدافها هذه، بدأت في العمل على عقد تحالف استراتيجي دائم مع أنقرة الجار الأقرب إلى دمشق، غير أن الأحداث الأخيرة في سوريا شجعت أنقرة على تغيير مجرى هذا العقد، خاصة بعدما قامت موسكو بإنشاء مدرج لطائراتها في الجزء الجنوبي من تركيا، وتزايد قلق الأخيرة من نوايا القوات الكردية السورية. تلك العوامل مجتمعة منحت الرئيس التركي أردوغان أسبابه لإعادة التعاون مع نظيره الروسي بوتين، رغم أن أردوغان يشارك واشنطن مصلحتها في احتواء روسيا قبل أن تتمكن من توسيع وجودها على طول الحدود التركية.

كما أن ما يسعى إليه أوباما من تحالف دائم مع نظيره التركي لن يكون سهلاً؛ حيث إنه طوال العشر سنوات الأخيرة مرّت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا بالعديد من التقلبات، ابتعدت خلالها أنقرة تدريجيًا عن واشنطن، ما نتج عنه صعوبات في إقامة مصالح مشتركة بشأن القضايا الناشئة في أماكن مختلفة بالمنطقة، الأمر الذي استغلته روسيا جيدًا عن طريق ملء هذا الفراغ بزيادة نفوذها على قرارات السياسة الخارجية التركية.

واليوم، نجد أن تركيا تعتمد على روسيا في توزيع غازها الطبيعي وتجارته (الإمدادات الروسية تمثل نحو 60% من استهلاك الغاز الطبيعي في تركيا)، وتبتعد تمامًا عن تحدي موسكو في القضايا الجيوسياسية الكبيرة، كما أنها رفضت تأييد العقوبات الغربية على روسيا بسبب ضم شبه جزيرة القرم، بالإضافة إلى أن أنقرة عدّلت في الآونة الأخيرة من سياستها التي تقول «يجب على الأسد أن يرحل»، الأمر الذي يقوي من نفوذ بوتين أكثر وأكثر.

في السياق ذاته، يجب علينا عدم إغفال حقيقة أنه رغم كل ذلك، إلا أن تركيا أيضًا بحاجة ماسّة إلى التخفيف من التدخل الروسي على حدودها، خاصة في جنوب القوقاز، المنطقة التي تعتبرها أنقرة فرصة جيوستراتيجية تنفعها في زيادة التبادل التجاري وتنويع مصادر الطاقة وتعزيز التحالفات الأمنية لمكافحة الجريمة والانتشار النووي والإرهاب، وتستخدمها كنقطة عبور لصادراتها الرئيسية إلى آسيا الوسطى، ما يجعلها ذات أهمية خاصة لها خلال السنوات القليلة المقبلة، في ظل الصراعات الدائرة في دول الشرق الأوسط المجاورة، والخلافات المفتوحة مع إيران بشأن مستقبل المنطقة.

لذا، نجد أن الولايات المتحدة بدأت في اتباع نهج مختلف - خاصة في جنوب القوقاز - تأمل في أن ينجز لها الكثير؛ ويمكّنها من أن تُجهد القدرات الاقتصادية والعسكرية الروسية وتكبدها خسائر طائلة، حتى تنجح في استعادة وزيادة نفوذها مرة أخرى، غير أن الولايات المتحدة تسير بهذا النهج بوتيرة بطيئة للغاية، ما يزيد من فرص موسكو لاستغلال هذا الفراغ أيضًا، وتجنب ما يُحاك ضدها.

ولكن، هناك أيضًا شق آخر من الممكن أن تلجأ الولايات المتحدة للاستفادة منه، والمتمثل في استعراض واضح للقوة في المنطقة، فنحن نلاحظ أن كل تحركات واشنطن في هذا الشأن ما زالت تتسم بالطابع الدبلوماسي حتى اللحظة، ويمكنها القيام بذلك من خلال التدريبات والمناورات العسكرية البحرية والبرية المشتركة بينها وبين تركيا، ووضع مخطط لتدريبات واسعة النطاق ومستمرة بين البلدين، تحت راية حلف شمال الأطلسي «الناتو»، ومن الممكن كذلك إشراك القوقاز وجورجيا في هذه التدريبات، لتنجح واشنطن في وضع أساس متين لعرض القوة الذي تصبو إليه.

ولكي تتمكن الولايات المتحدة من إنجاح عرض القوة، ستلجأ إلى استغلال ميزة القرب الجغرافي لتركيا من سوريا، وكذلك امتلاكهما الجيل الخامس من الطائرات، وبالاستناد إلى القرار الذي اتخذته أنقرة مؤخرًا والذي سمحت فيه للطائرات الأمريكية باستخدام قاعدة «إنجرليك» الجوية لاستهداف المتطرفين في الأراضي السورية، ما يسهّل على الدولتين مهمة مواجهة روسيا في سوريا، وذلك عندما تكون طائرات «إف-22»، ومقاتلات الهجوم المشترك «إف-35» جاهزة للعمليات الحربية، ما يعزز كذلك من موقف كل من واشنطن وأنقرة في المنطقة، ويساعدهما في ذلك أيضًا مقترح آخر ينص على أنه بإمكان طائرات «إف-22 رابتور» أن تتخذ من إسرائيل مقرًا لها لإبقاء أهداف موسكو داخل سوريا تحت الرقابة.

لكن ما يحبط جميع محاولات الولايات المتحدة للتحالف مع تركيا في مواجهة روسيا داخل سوريا أو على الحدود التركية، هو أن أردوغان يسعى في الوقت نفسه إلى إبعاد بلاده عن دول الغرب قدر المستطاع كلما كانت المصالح الأمنية الأساسية لبلاده على المحك؛ حيث إن ما قامت به روسيا من عمليات قد جعل أنقرة مضطربة للغاية وسط جهود موسكو لفرض نفسها كقوة إقليمية وعالمية، كما أن تركيا تدرك تمامًا أنها لن تستطيع إعاقة جهود روسيا مهما حاولت استغلال ميزاتها منفردة أو بشراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز