

هناء عبد الفتاح
قلب بشار الأسد
بقلم : هناء عبد الفتاح
بكيت حتى تورمت عيناى ردا على صور جثث الغرقى السوريين الفارين من جحيم الحرب فى بلادهم ، أصابنى الحزن والصداع وسجل جهاز قياس ضغط الدم أعلى إرتفاعاته ، أضربت عن الوجبات الثلاثة وهجمت على شرب القهوة المرًة بما لا يتناسب مع إحتمال معدتى وجهازى العصبى ، شجبت وأدنت ورفعت صور الضحايا على صفحتى بالفيس بوك وعلقت عليها بسطور تخرج الدموع من بينها ، رفعت بعد قليل دعاء أن يتغمدهم الله برحمته ويتقبلهم عنده من الشهداء ، ثم .... ثم لا شئ ، فى اليوم التالى عدت أمارس حياتى العادية بنفس تفاصيلها ، أقبلت على الأكل بشراهة لسد جوع الليلة الماضية وبدلت القهوة بعصير ليمون نعناع مثلج لذيذ ، ساعدنى تماما على التخلص من إرهاقى النفسى وإنتهى الأمر ، قليل من التأمل وضعنى فى كثير من الخجل ،
فى أى بنك يصرف السوريين حزنى ودموعى وإرتفاع ضغط دمى ؟؟ ، ما الذى كسبوه من شجبى وإدانتى وكفرى بالربيع العربى وسبًى لكل من جهًز له أو شارك فيه أو حرًض عليه غير الصلاة عالنبى ؟ ، ما الفرق بالنسبة لهم أصلا بين قهوتى المرًة فى الليلة الأولى وعصيرى الليمون المثلج فى الليلة التالية ؟؟ ، قبيح جداً شعور أنك صاحب موقف بلا قيمة لا يسمن ولا يغنى من جوع ، قبيح جدا شعور أن وجودك مثل عدمك وتقدم أقصى ما لديك وأنت تعلم يقيناً أنه عبث وهراء ، ضجيج بلا طحن لا ينتج عنه إلا الصداع اللعين ،
الأقبح أن يكون شأنك فى ذلك شأن الوطن العربى كله من المحيط للخليج ، الكل لا يملك شئ يقدمه إلا ما تفعله حرفيا " الندًابة " فى الجنازات ، صراخ وعويل ونحيب صادر من الشعوب ، وشجب وإدانة وإستنكار صادر من حكامهم وكفى ! ، لن يتغير الموقف إيجابياً قيد أنملة لأنه لا توجد أصلا مبادرة صادقة لتغييره ، لنا فى الوضع الفلسطينى خير نموذج على ذلك. لن تحل المشكلة ، فالمنوط بهم إيجاد حل متخاذلين لدرجة حولت أنسجة قلب بشار الأسد لحديد خراسانى لا يهزًه شئ فى الكون ، لن تحل المشكلة ، فالمنتظر منهم إعمال العقل مدّوه بكل أدوات التجبر والجنون وفرشوا له طريق التمادى بالورود ، والمأمول فيهم المهادنة للحفاظ على الوطن ساعدوه أن لا يخشى على الوطن الذى ضاع بعد أن إنكبًت بنايات دمشق وحلب وحمص وحماه واللاذقية على وجوهها ،
قلب الأسد يملك الآن من الجبروت والبشاعة ما يكفى لحرق العالم كله دون أدنى شعور بالذنب ولا بأدنى وخز من ضميره وحكام العرب هم السببب فى صناعة ذلك ، الأسد شجرة الزقوم الموجودة فى أصل الجحيم وطلعها رؤوس الشياطين ودمار سوريا أرضاً وشعباً مستمر حتى يُقتلع هو من جذوره ،
أما وإن جذوره صلبة وممتدة ويسجل مؤشر الأمان لديه الدرجة النهائية ولا يوجد قرار دولى قادر على ردعه بسببنا نحن العرب ، فهو مستمر فى النازية وهيأوا أنفسكم لصور أبشع مما رأينا ، لكن كونوا على علم أننا من البداية متخاذلين وفى النهاية بكل ميوعة متضامنين ، فلنراعى ذلك ولنتوقف عن إستفزاز أشقائنا فى سوريا بهذا التضامن " الماسخ " ، وأن لا نساهم فى دفعهم لمزيدا من القهر بأن يرونا نغير صور بروفايلاتنا بجثث ذويهم كأقصى ما يمكننا فعله لهم ، لنفكر فى طريقة تضامن أكبر وأعمق لعل هذا يكون فيه حلاً غاب عن نظرة الحكام العرب للملف السورى أو لنصمت ونبكى فى صمت عليهم وعلينا أيضا ..