عاجل
الأحد 20 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
عاصفة سلمان .. ضد ملالي طهران

عاصفة سلمان .. ضد ملالي طهران

بقلم : إيهاب الشيمي

منتصف ليلة السادس و العشرين من مارس  .. هدوء الصحراء في إحدى القواعد الجوية السعودية يقضي عليه فجأة هدير المحركات النفاثة للمقاتلات التي تتحرك في تسارع نحو سماوات ستدخلها للمرة الأولى في تاريخ القوات الجوية الملكة السعودية بناءً على الأوامر الصادرة من الملك سلمان بن عبد العزيز، ليس لانتهاك حرمة هذه السماوات، و لكن لتلبية استغاثة رئيس شرعي لم يجد من مفر لحماية وطنه من الانهيار الكامل سوى طلب النجدة من الأشقاء بعد أن تأكد من أن  الأمم المتحدة لن تفعل شيئاً سوى تقديم فواتير إقامة مندوبها في فنادق صنعاء و الرياض التي يعقد فيها اجتماعاته مع من يدعي أنهم أطراف الحل السياسي، بينما تقوم ميليشياتهم خارج قاعات المؤتمرات بسحق كل ما يؤدي لحل سياسي للأزمة، بل و القيام بفرض أمر واقع تكون هي فيه القوة الوحيدة القائمة على الأرض.



 

و كما تعلم عزيزي القارئ فالمشهد اليمني معقد بدرجة كبيرة اضطرتني في مقال سابق نهاية الصيف الماضي لتشبيهه بدوري كرة القدم الذي يضم العديد من الفرق التي تتنافس للحصول على اللقب، و التي قد تظطر في مرحلة معينة لتشجيع فريق معين ضد آخر يشكل خطراً أكبر على فرصتها في الحصول على درع الدوري.

و هذه الفرق لم تكن سوى حكومة الرئيس هادي المنتخبة و المعترف دولياً بشرعيتها، ، ثم حزب الإصلاح الذراع السياسي للإخوان المسلمين في اليمن و المتحالف مع أسرة الأحمر حلفاء الرياض في اليمن، و حزب المؤتمر الشعبي العام بزعامة الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح و فرق الجيش الموالية له و التي أكدت أنا حين سقطت صنعاء أنها من سهلت للحوثيين  دخول المدينة انتقاماً من السعودية و بنو الأحمر، و جماعة أنصار الله المعروفة بالحوثيين و المدعومة من إيران، و الحراك الجنوبي الساعي لانفصال اليمن الجنوبي من جديد عن الشمال، و  أخيراً تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية الذي وجد فرصته سانحة للسيطرة على مناطق واسعة من وسط و شمال اليمن وسط كل هذه الفوضى.

 

و لتوضيح السبب في الخطوة السعودية بالهجوم على الحوثيون، يجب علينا النظر لما هو أبعد من اليمن ليشمل نطاق رؤيتنا إيران و العراق و سوريا و لبنان بل و مصر أيضاً.

فمنذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران و الجميع في طهران يسعى لتنفيذ مشروع الخوميني الذي يهدف لاستعادة مجد الإمبراطورية الصفوية و بسط النفوذ الإيراني على الجزيرة العربية و شرق المتوسط، وصولاً إلى شمال أفريقيا، و هو ما بدأوا بتنفيذه فعلياً بحرب العراق في ثمانينيات القرن الماضي، و تبني و دعم و تمويل الأنظمة العربية ذات الانتماء الشيعي كما هو الحال مع نظام الأسد في سوريا، أو برعاية كيانات سياسية و عسكرية تخدم مصالحها الإقليمية بحجة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي و تحرير القدس كما هو الحال بالنسبة لحزب الله في لبنان، و نهاية بتمويل الحركات الإسلامية الأصولية الساعية للسلطة في دول المنطقة تحت غطاء حرب الأنظمة العلمانية الحاكمة كما حدث في مصر.

 

و بالطبع سيأتي من يقول أن الأمور قد خرجت عن إطار المنطق فيما أقول، فكيف تساند إيران الشيعية حركات أصولية ذات انتماءات طائفية سنية مثل تنظيم الجهاد و الإخوان المسلمين مثلاً ؟! و لهؤلاء أقول أن عليهم فقط مراجعة كيف مولت طهران و مازالت تمول حركة حماس الإخوانية في غزة ضد السلطة الفلسطينية و حركة فتح دون تأثير فعلي واضح على مسار الصراع مع إسرائيل .. و كيف تكشفت علاقة طهران بتنظيم الجهاد الذي اغتال الرئيس المصري أنور السادات و المنشق أيضاً عن تنظيم الإخوان المسلمين للدرجة التي اطلقوا معها اسم قاتل السادات على أحد اكبر الشوارع في طهران .. و كيف تصدر طهران طابعاً تذكاريا بصورة دورية في ذكرى رحيل سيد قطب و حسن البنا مؤسسي الجماعة، و وصولاً في النهاية إلى دعوة المعزول محمد مرسي في شهور حكمه الأولى نظيره الإيراني احمدي نجاد لزيارة القاهرة للمرة الأولى في تاريخ علاقات البلدين، بل و إصرار نجاد على الإشارة بعلامة النصر حين دخل إلى الجامع الأزهر، معقل السنة الأقوى في العالم.

 

مما سبق يمكنك تصور حجم توغل إيران، و عملها من خلف الكواليس في العديد من دول المنطقة، و لكن الشئ الجديد هذه المرة، أن إيران لم تعد تهتم بالتستر وراء من يحارب عنها بالوكالة، فلقد بلغت حداً من الجرأة سمح لها بالانتقال إلى مرحلة أخرى أكثر وضوحاً، فمنذ شهر تقريباً لم تكتف بإعلان دعمها الكامل و اشتراكها في التخطيط لهجوم قوات الحشد الشعبي الشيعي على تكريت و المناطق السنية بوسط العراق، بل تخطت ذلك بالإعلان رسمياً عن إرسالها قوات خاصة للمنطقة بقيادة "قاسم سليماني" الجنرال الأكثر خبرة و دموية في الحرس الثوري الإيراني لقيادة العمليات و توفير المشورة للحكومة العراقية التي غابت تماماً عن المشهد، و هو من كان يقود أيضاً، و باعتراف رسمي إيراني، عمليات القتال ضد المعارضة السورية في ريف دمشق و درعا.

كما أعلنت طهران و في خطوة اكثر جرأة عن تسيير رحلات يومية إلى مطار صنعاء لتوفير الإمدادات العسكرية و اللوجيستية اللازمة للحوثيين عقب استيلائهم على المدينة و انقلابهم على كل الاتفاقيات الدولية و الإقليمية و على رأسها المبادرة الخليجية، و احتجازهم للرئيس هادي و نائبه و اعضاء الحكومة، و إجبارهم على إعلان استقالاتهم تحت التهديد، ناهيك عن إعلان نواب في البرلمان الإيراني علانية أن صنعاء ستكون العاصمة العربية الرابعة التي تتحكم بها طهران بعد دمشق و بغداد و بيروت.

كما أن مسئولين بارزين و رموز دينية في طهران أصدروا بيانات تتدخل بشكل سافر في الشان السعودي الداخلي بحجة دعم الأقلية السعودية الشيعية في جنوب غرب المملكة، بل و ادعاء عدم حصولهم على حقوقهم الكاملة كمواطنين سعوديين، وصولاً إلى تأليب المواطنين في هذه المناطق على الحكومة السعودية من خلال بعض شيوخ الفتنة الموالين لطهران.

 

و قد يتبادر إلى ذهنك هنا عزيز القارئ سؤال منطقي، و هو ما الذي ضخ كل هذه الجرأة في دماء ملالي طهران؟! .. و الإجابة بسيطة، فإيران وجدت نفسها في وضع دولي يسمح لها بالمناورة و فرض رؤيتها بعد عقود من تصنيفها كأحد اضلاع مثلث الشر الأكثر خطراً في العالم.

فهاهي الآن تجلس على مائدة مفاوضات واحدة مع الولايات المتحدة و أوروبا بشأن ملفها النووي، و هو ما مكنها من الحصول على تنازلات ضمنية من هؤلاء مقابل تخليها عن بعض الامتيازات في برنامجها النووي، و هي التنازلات التي قد تصل لحد غض الطرف عن توغلات إيرانية على الأرض في مناطق مختلفة مثل العراق و اليمن و سوريا. هذا بالإضافة إلى حقيقة أن بترولها الذي تضخه في شريان الصناعة الصينية، و تحالفها مع روسيا ضد التحالف الغربي في سوريا يضمنان لها فيتو مزدوج ضد أي قرار عقابي قد يصدر ضدها من مجلس الأمن فيما يخص الملف النووي، أو التدخل الخارجي في نزاعات إقليمية.

 

و اسمح لي هنا عزيزي القارئ أن أضيف رؤيتي الشخصية، و هي أن خطط الغرب لتقسيم المنطقة باستخدام الحركات الأصولية السنية و على رأسها الإخوان المسلمين و القاعدة، باءت جميعاً بالفشل بعد ثورة يونيو و بقاء الجبهة المصرية موحدة، و بعد نجاح الأسد في البقاء على راس السلطة في دمشق، و هو ما حتم عليهم الانتقال لخطة بديلة لم تكن سوى استخدام الأطماع الإيرانية لتحقيق خطة تفتيت المنطقة و لكن باستخدام ذرائع طائفية هذه المرة، بدلاً من تكفير الأنظمة العلمانية الحاكمة، و هو ما بدأت بشائره تلوح في الأفق بمطالبة الرئيس الأمريكي بضرورة الحوار مع طهران و تخفيف الحصار المفروض عليها، و اعتبارها شريك في الحرب على الإرهاب !

 

و هكذا يمكنك عزيز القارئ تفهم قرار المملكة العربية السعودية بتنفيذ عملية "عاصفة الحزم" ، كما يمكنك الرد على أولئك الذين يدعون مبالغتنا في تضخيم حجم الدور الإيراني، و يسعون لتبرئة ذئاب طهران من الدم الذي يغرق قميص دول المنطقة، فإيران موجودة عبر مياه الخليج على الساحل الشرقي للسعودية ، و قوات الحرس الثوري الإيراني تنتشر شمالاً في العراق، و ميليشيات الحوثيين تهدد الحدود الجنوبية، و تمنح الأسطول الإيراني مميزات غير مسبوقة في الموانئ اليمنية المطلة على مضيق باب المندب الذي يمر منه معظم انتاج دول الخليج من النفط إلى البحر الأحمر مروراً بقناة السويس و منها إلى أوروبا، بالإضافة إلى أبواق الفتنة التي تتعالى في المناطق السعودية ذات الأغلبية الشيعية، و لن يفلح سوى اتخاذ خطوات فاعلة و مؤثرة لحماية الأمن القومي السعودي و من وراءه أمن منطقة الخليج، و أمن مصر على حد سواء.

 

ما أحب أن أشيد به هنا، و ما استحق إعجابي الشديد بطريقة تنفيذ العملية، هو عنصر المفاجأة و التحضير الدقيق و المتقن للعملية .. فالمملكة حشدت تحالفاً دون أن يلحظ ذلك أحد من المتابعين للموقف، و صار واضحاً الآن سبب تلك الزيارات المكوكية التي قام بها ولي العهد السعودي لدول الخليج بدايات الشهر الحالي، و لماذا دعا العاهل السعودي رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف لزيارة الرياض بعد أيام قليلة من توليه مقاليد الحكم ليضمن دعم باكستان للمملكة كقوة نووية ضد إيران حال تصعيد الأخيرة للموقف و هو ما أعلنته باكستان فعلياً بالأمس، و صار جلياً لم أصر العاهل السعودي على وجود زعماء القوى السنية التقليدية في الرياض في آن واحد بالرغم من الخلافات العميقة التي تشوب علاقات دولهم مثلما حدث من زيارة السيسي و أردوغان بدايات الشهر الحالي للمملكة.

كما أن المملكة حرصت على أن يتم تحرير الرئيس اليمني من مكان احتجازه في صنعاء ليمثل من جديد الشرعية في اليمن، و لكي يمكنه طلب التدخل السعودي و الخليجي لحماية الاستقرار في اليمن، و هو ما منح العملية صفة الشرعية طبقاً لميثاق الأمم المتحدة، و ميثاق جامعة الدول العربية، و سد الطريق على الحوثيين و إيران أو أي جهة أخرى لاعتبار العملية عدواناً على اليمن.

 

الشئ الأكثر إثارة للإعجاب و التقدير، هو تحييد الولايات المتحدة الأمريكية بالكامل في العملية مع ضمان تأييدها حال القيام بها، فكما أعلن جون ماكين، لم تقم الرياض بإخبار واشنطن بموعد العملية أو نيتها القيام بها، و هي سابقة في تاريخ التحركات العسكرية السعودية التي جاءت دوماً في إطار تحالف تقوده الولايات المتحدة الأمريكية سواء أثناء حرب تحرير الكويت، أو في الحرب ضد داعش.

و لا ينحصر الموقف السعودي من الولايات المتحدة فقط في حقيقة أن الرياض لا يروقها التقارب بين واشنطن وطهران فيما يخص مباحثات البرنامج النووي الإيراني ، بل يتعدى ذلك إلى مواقف أخرى سابقة مثل تراجع واشنطن في اللحظات الأخيرة عن توجيه ضربات جوية ضد نظام الأسد في دمشق و هو ما اعتبرته الرياض صفعة مباشرة ضدها و هي التي ترى في وجود الأسد دعماً مباشراً لغريمتها إيران، بالإضافة إلى عدم مساندة واشنطن صراحة لموقف الرياض في اليمن، و توقف دعم واشنطن للطائفة السنية في لبنان فيما يخص ملاحقة قتلة الحريري، و دعم واشنطن اللامحدود لقطر التي تسعى لتحدي النفوذ السعودي داخل مجلس التعاون الخليجي، و كذلك دعم واشنطن الخفي و تبنيها لمواقف تركيا فيما يخص دعم أنقرة لبعض اطراف الصراع في المنطقة و هي التي تهدد مكانة السعودية على رأس القوى السنية في المنطقة.

 

و لكن المملكة أيضاً تعلم أن الولايات المتحدة ستؤيد العملية رغماً عنها فواشنطن لن تفرط في مصالحها الاستراتيجية مع الرياض خاصة في ظل 34 مليار دولار مازالت تبث الحياة في الاقتصاد الأمريكي إثر شراء السعودية لمعدات عسكرية و أسلحة من واشنطن خلال الأعوام الماضية و أيضاً على مدى العامين القادمين، و حقيقة أن السعودية هي من يمكن للولايات المتحدة التفاهم معها لزيادة أو خفض الانتاج النفطي العالمي لخفض الأسعار و التأثير بشدة على اقتصاد الدب الروسي حينما يتطلب الأمر ذلك.

 

يبقى لي في النهاية أن أقول لمن ينتقدون عاصفة الحزم و يتحدثون عن المشهد على أنه بداية حرب طائفية ضروس ستطال عواقبها الجميع .. أنهم مخطئون!

فالصراع كما وضحت هنا يستهدف بالأساس إعادة رسم خريطة المنطقة بما يناسب المشاريع الامبريالية الأمريكية باستخدام الأحلام الصفوية لملالي طهران للتمدد في المنطقة، و علينا فقط رؤية ما وراء الستار و فعل ما هو صواب لحماية الأمن القومي العربي دون أن نلتفت لمواقف دولية هزيلة، أو لأكاذيب نشوب الحرب بين السنة و الشيعة و الوهابية و الزيدية و المسلمين و المسيحيين، فهؤلاء جميعاً طالما تعايشوا على هذه الأرض، و طالما ناضلوا في جبهة واحدة ضد قوى الاستعمار من أجل حرية أوطانهم.

 
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز