عاجل
الأربعاء 18 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
مصر ومشهد العين الواحدة

مصر ومشهد العين الواحدة

بقلم : إيهاب الشيمي
 
"حبيبك يبلع لك الزلط .. و عدوك يتمنى لك الغلط"
 
مثل شعبي يتجاوز حدود المعنى الحرفي لكلماته، ليصف حقيقة رؤية الكثيرين للأشياء من منظور واحد فقط، حيث ليس هناك من خيارات سوى ما يريده هو، فأما الحب المطلق، و إما الكراهية العمياء!
 
فهناك من ينظر للولايات المتحدة على أنها مثال الدولة القوية التي لا يستطيع أحد تحدي هيبتها، و هي من تمتلك كل تلك الأساطيل التي تلامس أبدان سفنها كل نقطة مياه في بحار و محيطات العالم لتسكت بها كل من يتفوه بكلمة ضد سياساتها، أو كل من يعارض شهوتها اللامحدودة في السيطرة على كل ثروات العالم، و هي أيضاً من تمتلك اقوى أجهزة الأمن و المباحث في العالم و التي يدعمها أسطول من نوع آخر قد يفوق الأول في خطورته و فعاليته و تأثيره، و يتمثل في أقوى أجهزة التصنت و مراقبة شبكات التواصل الاجتماعي، و تتبع الحسابات المصرفية، و رصد الكالمات الهاتفية، للدرجة التي يمكن بها للسلطة هناك أن تكون لكل مواطن كظله، وأن تتمكن من قراءة أفكاره حتى قبل أن تجول بخاطره!
 
وفي المقابل، فهناك من ينظر للولايات المتحدة على أنها جنة الفردوس للحرية، و النموذج الأمثل للديمقراطية و حكم الشعب، واحترام حقوقه، للحد الذي يصل في أحيان كثيرة لما أراه شخصياً كنوع من المعارضة اللامسئولة، و الغير منضبطة، التي تبيح تجاوز النقد المقبول للسلطة، إلى مرحلة أخرى من الهجوم الشخصي على ممثليها، و على رأسهم رئيس الجمهورية، بل و التهكم عليه و الخوض في تفاصيل حياته العائلية في بعض الأحيان.
 
ولا يقتصر مفهوم النظر بعين واحدة على مفهوم هؤلاء و رؤيتهم للدولة فقط، بل يمتد ليشمل ترجمتهم لكل ما يشاهدونه، و يسمعونه، ويقرأونه، فتجدهم و قد استوعبوا – فقط - تلك الأجزاء التي توافق توجههم فقط، بينما تتجاهل عقولهم بشكل لا إرادي و تلقائي كل ما يتعارض مع قناعاتهم و أهدافهم المرحلية أو القصوى.
 
ولن أعطيك عزيز القارئ مثلا بكتابات شخص آخر حتى لا يتم اتهامي بالتطاول على أساتذتي، أو التقليل من شأن زملائي، أو رسمي لتوجه معين لكتاباتهم، و لكني سأعطيك مثلاً مما يحدث معي أنا شخصياً حيث يرى البعض فيما أكتب موالاة تامة للسلطة و انحيازاً كاملاً لها لمجرد أني أؤمن أن عبور المرحلة الحرجة التي يمر بها الوطن يقتضي الوقوف صفاً واحداً خلف القيادة السياسية، و تقديم الدعم اللامحدود لرجال القوات المسلحة المصرية في حربهم ضد الإرهاب على حدودنا الشرقية و الغربية، و دعم المشاريع الوطنية الكبرى و بيان تأثيرها الإيجابي على المديين القصير و الطويل، بالإضافة إلى كشفي المستمر لحقيقة خطط الإخوان المسلمين وتابعيهم ومموليهم ضد مصر و شعبها.
 
بينما يرى البعض الآخر في المقابل أني مثال لمن يريدون هدم الدولة حين أنتقد في كثير من الأحيان الأداء الحكومي الإقتصادي والخدمي في إطار سعيي الدائم لما هو أفضل لأبناء هذا الوطن، و كذلك حين أنتقد في أحيان أخرى الأداء الأمني الذي يحتاج الكثير من إعادة النظر في أسلوب التعامل مع المواطنين في مصالح وزارة الداخلية بعيداً عن حرب الجميع مع الإرهاب، أو في أسلوب التعامل مع التظاهرات، و التفرقة بين تلك التي نعلم توجهها التخريبي و أهدافها الإعلامية، و الأخرى التي لا تتعدى كونها وقفات رمزية تعبر عن مواقف سياسية مقبولة في إطار المعارضة الوطنية البناءة.
 
ويمكنك بسهولة هنا عزيزي القارئ أن تسقط كل ما سبق على الأحداث التي شهدتها مصر خلال الأيام و الأسابيع و السنوات القليلة الماضية..
 
فهناك من لم يرى في زيارة الرئيس الروسي الأخيرة من نجاح سوى كونها نوع من "كيد النسا" ضد الولايات المتحدة الأمريكية وتابعيها في الدوحة و أنقرة، بينما أغفل الأهم و هو كونها إعلاناً صريحا لبداية التحول الحقيقي و الفعلي في السياسة الخارجية المصرية، و تتبع مصالحنا حيث توجد، و ليس افتراض وجودها حيث يملي علينا الاخرون ذلك. بينما حصر آخرون كل سلبيات التقارب المصري الروسي في حادثة بيع الحلويات للوفد الصحفي الروسي بالمركز الصحفي بالقصر الرئاسي، بينما أغفلوا آثاراً جانبية أكثر أهمية يجب على السياسة المصرية مراعاتها بحرص شديد، نتيجة وجود روسيا في المعسكر المضاد للتحالف الأمريكي الأوروبي الخليجي ضد داعش و نظام الأسد، و كذلك حقيقة أن روسيا هي الحليف الأكبر لطهران في معركتها لامتلاك الطاقة النووية، و التي ستشكل حال تمكنها من الحصول عليها، رأس حربة لدعم سعيها الحثيث لانتشار المد الشيعي في الجزيرة العربية و اليمن، و ما يشكله ذلك من تهديد لا يمكن تجاهله  لدول الخليج و المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص.
 
و لن أستطيع هنا تجاوز أحداث استاد الدفاع الجوي التي لم يرى فيها الكثيرين سوى أنها مجرد أعمال شغب و بلطجة لجماهير أرادت دخول المدرجات بدون تذاكر! بينما لم يرى البعض الآخر فيها سوى فشل ذريع لقوات الأمن في التعامل مع الحشود الحماسية لجمهور الكرة الأعزل، حتى و إن شاب سلوكها بعض الشغب الذي لا يمكن أن يكون مبرراً لسقوط كل هذا العدد من الضحايا، و فشل أكبر للجهات الإدارية المتمثلة في اتحاد الكرة و إدارة نادي الزمالك التي تعاملت مع عودة الجمهور باستهانة كبيرة لتترك الجميع أمام بوابات الاستاد مجرد وقود لمعركة حتمية بين الأمن و الألتراس.
 
لكن الحدث الأعظم الذي تظهر فيه و بقوة نظرية "العين الواحدة" يبقى دائما ثورة الخامس و العشرين من يناير، التي لا يرى فيها البعض سوى نكسة أدت لتراجع حاد في أداء الاقتصاد المصري، و انتشار الفوضى و العنف و الإرهاب، بينما يرى البعض الاخر أنه لولاها لما تمكن المصريين من معرفة حجم الفساد الذي طال كل ركن من أركان الوطن، و لما تمكنا من معرفة حجم الانهيار في البنية التحتية و خاصة في قطاع الطاقة الذي كان سيؤدي لانهيار حتمي لكل القطاعات الأخرى، و لما تمكنا من  التعرف على حجم المأساة التي نتجت من ترك نظام مبارك لكل تلك الخفافيش الملتحية لتسكن معنا بكل حرية، و تبني إمبراطورية عظمى من الشركات و المصانع و الكيانات الاقتصادية، بل و الكتل البرلمانية، التي استطاعت من خلالها و على مدار ثلاثة عقود من حكمه من تمويل و بناء تنظيم نجح من خلال ارتداء عباءة الدين، و التحالف مع أعداء الوطن، و استغلال ضعف من استلموا قيادة سفينة الوطن عقب الثورة، في الوصول لكرسي الحكم، لولا أن تدراكت شعب مصر رحمة من ربه!
 
و ما أراه النجاح الأكبر للثورة، و هو شعور كل مواطن مخلص على أرض هذا الوطن أن مصر هي وطنه هو و ليست نهبا مستباحاً لمن يحكم و من يوالونه فقط، و أن له حق فيها لا يقل عن حقوق الآخرين، و أن من حقه أن يختار لها ما يراه مناسباً لمستقبله و مستقبل أولاده، و الأهم من ذلك كله، هو تيقنه أخيراً أن ما ظن أنه وطن فقد كل الامكانيات، اتضح أنه وطن مازال يملك عدداً لا محدود منها تنتظر فقط من يعمل على اكتشافها و تنميتها و استثمارها من أجل الجميع و ليس فئة بعينها.
 
خلاصة القول، هو أن ما لا يدركه الطرفان هنا، هو أن الصورة لا تكتمل إلا بفتح كلتا العينين بحيث يمكنهما رؤية المشهد كاملاً، فلا يمكن بحال من الأحوال رؤية كل ما هو إيجابي فقط، و لا أن نصر على رؤية كل ما هو سلبي فقط، فكما أن الإيجابيات هامة لبث روح العمل و العزيمة و الإرادة الجادة للبناء، فإن رؤية السلبيات كذلك ضرورية لتصحيح المسار كلما تطلب الأمر ذلك.
 
إن من يقرأ وهو يريد أن يتوصل لما يوافق هواه فسيصل لما يريد، و من يقرأ لكي يفهم المغزى الحقيقي للكلمات، فسيقدر حتما الصعوبة التي جعلته أكثر فهما لمن حوله، و ما حوله، و أكثر إدراكاً لحقيقة التحديات، و أكثر وعياً بكيفية ترجمة حبه لوطنه لواقع ملموس يشاركه فيه كل أبناء الوطن المخلصين.
 



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز