عاجل
الأحد 1 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
باقي علي افتتاح المتحف الكبير
  • يوم
  • ساعة
  • دقيقة
  • ثانية
البنك الاهلي
لماذا يشارك الصعيد في ثورة لا تعني له شيئا؟ «1_2»

لماذا يشارك الصعيد في ثورة لا تعني له شيئا؟ «1_2»

بقلم : مصطفي الأسواني
إن الحقيقة التي لا يمكن لكائن من كان أن ينكرها هي أن محافظات الصعيد منذ أن لحقت بقطار ثورة 25 يناير لعام 2011، ما زالت ثائرة، تطالب بحقها المشروع في أبسط مقومات الحياة، مثلها في ذلك مثل بقية محافظات الجمهورية التي استأثرت بكل الجهود التنموية فيما مضى وفيما هو آتٍ، على حد سواء، ومن المؤكد كذلك، أن ثلاثية الثورة من «عيش، حرية، عدالة اجتماعية» هي في الأصل للصعيد المظلوم أهله والمهمش دائمًا وأبدًا.
 
واليوم، وبعد مرور أربعة أعوام من عمر الثورة المجيدة، نجد أن الكثيرين ما زالوا يرددون مقولتهم الشهيرة عن أن الصعيد لم يثر - بالمعنى الخاطئ الذي يُعرّف به البعض الثورة - ولم يشارك في ثورة يناير المجيدة.
 
وفي محاولة أولية مني لتوضيح وفهم أسباب عدم ثورته - كما يدّعون - أرى أن الغالبية العظمى من المصريين اختصروا ثورة يناير في الـ18 يومًا الأولى من عمرها، وباعتمادهم على تلك القاعدة؛ فإنهم يرون أن الصعيد لم يثر فعلاً، كما أنهم اعتبروا أن الثورة كانت حضرية، أي أنها كانت بالأساس ثورة المركز «ثورة القاهرة»، وهذا ما أعتبره إحدى المشكلات الأساسية التي تسببت في ترديد مقولة أن الصعيد لم يثر أو أنه لم يشارك في الثورة.
 
بداية، أؤكد أنه من الخطأ قَصْر الثورة على فترة الـ18 يومًا، كذلك فإن وصفها بالحضرية - على الأقل من حيث الحيز المكاني - فهذا لا يعني أن الثورة حضرية، فعلينا أن نميز بين الحضر كحيز مكاني احتضن حركة شعبية تتجاوز المسألة الحضرية أو كون الثورة حضرية في تركيبتها وبنيتها، فمعروف أن ما حدث في 25 يناير 2011 ليس سوى أول الغيث؛ حيث إن الأسباب التي أدت إلى اندلاع الثورة ما زالت موجودة، فالفقر مستمر وكذلك اللامساواة والظلم وانتهاك حقوق الإنسان وعدم الاستقرار.
 
وعطفًا على ما سبق، فإن النظر إلى الثورة باعتبارها ثورة قاهرية حضرية، ليس وليد الصدفة، ولكنه وليد عملية تشييد اجتماعي تهدف في النهاية إلى تحديد المسار الذي تسلكه الثورة؛ لذلك يمكنني اعتبار استبعاد الصعيد من الثورة لم يكن لأنه لم يشارك بفعل مُعين قبل يناير أو بعده، ولكن لأنه لم يشارك بفعل مُعين داخل المكان «ميدان التحرير» والزمان الذي حددته العاصمة في 25 يناير والـ18 يومًا التالية، ليس ذلك فحسب، ولكن حينما شارك الصعيد في الثورة استخدم طرقًا لا يعتبرها المركز الثوري أساليب ثورية، وبالتالي تم تجاهل كل ما يحدث من حراك وفعاليات سلمية أو عنيفة في الصعيد، واعتبرت غير موجودة أصلاً.
 
ويجب علينا أن نتناول بعض خصائص محافظات الصعيد التي شاركت في الثورة، حتي يتسنّى لنا فهم المسألة بشكل أشمل، فإذا ما تحدثنا عن الشق الاقتصادي للمجتمع المصري، نجد أن معظم شباب الصعيد مهاجرون، سواء للمدن الكبرى أو المناطق السياحية أو خارج مصر، وهذا ما يدفعني للتساؤل «عمن كانوا في ميدان التحرير وقت الثورة؟»، بمعنى «هل كان أبناء الصعيد وسط الجموع التي شاركت في ثورة 25 يناير؟»، هنا سوف أعطي مثالاً ميدانيًا يشير إلى أن الكثير من أبناء الصعيد في القاهرة - وأنا واحد منهم - قد لجأوا للميدان كملاذٍ لهم بعد تعطل أعمالهم وتوقف حركة القطارات، وكانوا يقضون الليل بجوار صينية الميدان، ورغم أنه لا توجد أي تفاصيل عن دور هؤلاء في الأحداث، لكن الشواهد تؤكد وجودهم.
 
وتجدر الإشارة هنا، إلى أن غالبية أبناء الأقاليم - الصعيد وغيره من المحافظات الأخرى غير القاهرة – الذين كانوا في قلب الحدث، ظلوا في الميدان، سواء لإيمانهم بالقضية أو لتوقف القطارات ووسائل المواصلات أو لغياب مأوى أرخص لهم، في حين كان غالبية أهالي القاهرة وما يسمى بـ«ائتلاف شباب الثورة» يغادر إلى البيت لينام ويأخذ قسطًا من الراحة، ثم يعود في الصباح ليلقي بيانًا باسم الثورة.
 
في السياق ذاته، يرى الكثيرون أن العمل الثوري بحاجة إلى وصول الوعي الإنساني الفردي والجمعي لذروة توقده وحضوره حتى يتمكن من تغيير الأوضاع الجائرة المحيطة به، لذا فهم يؤكدون أن أبناء الصعيد لم يشاركوا في الثورة لأنهم لا يجيدون القراءة أو الكتابة، فكيف تتوقع منهم أن يشاركوا في ثورة، وهذا ما يدفعني أيضًا لطرح التساؤل التالي: «هل كان المتواجدون جميعًا في تلك الفترة وبكل الميادين قد وصلوا إلى هذه الذروة؟!»، الجواب بكل تأكيد سيكون بالنفي.
 
وسأعرض لكم بعضًا من الملاحظات الميدانية الشخصية في صعيد مصر لإيضاح تنوع الحراك الاجتماعي السابق واللاحق والموازي لـ25 يناير 2011:
 

هنا ميدان التحرير 27 يناير 2011، أولاً النظرة السطحية لما يحدث تشير إلى أنها حركة اجتماعية حضرية، ولكن بقيامي بجولة في أرجاء الميدان، لاحظت أن هناك من المشاركين في الصفوف الأولى لجبهة القتال - كما أحب أن أسميها - مجموعة من أبناء الصعيد الذين أعرفهم، وهناك أيضًا آخرين ممن تدُل ملامحهم على أنهم ينتمون إلى الصعيد. وخلال الأيام التالية، بعدما هدأت حدة الاشتباكات مع قوات الأمن، وتحديدًا عندما نُصبت الخيام في ميدان التحرير، والتي تجولت في بعض منها لزيارة المعتصمين، لاحظت تواجدًا لمختلف الأقاليم المصرية بصفة عامة، ومحافظات صعيد مصر بصفة خاصة، وخيمة أسوان تحديدًا كانت قِبلة معظم أبناء الصعيد في الميدان، كما أن هناك أيضًا كانت خيمة «أسرة شهيد ديروط»، فضلاً عن خيمة لأبناء سوهاج.. وسأستكمل حديثي بخصوص هذا الشأن في مقال لاحق إن شاء الله.



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز