عاجل
الإثنين 17 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مصر المظلمة بعد المغرب .. بين سكينة مرسي و متاهات محلب

مصر المظلمة بعد المغرب .. بين سكينة مرسي و متاهات محلب

بقلم : إيهاب الشيمي
"هو مش انتو اللي مسكتوا مرسي تريقة عشان قال إنه عارف حسين اللي بينزل السكينة بعشرين جنيه عشان يقطع الكهربا و عملتو ثورة ضد الراجل... أهو النور بقى بيقطع أكتر ما بييجي .. إشربوا بقى" !

أكاد أجزم أنك سمعت هذه الجملة عشرات المرات منذ مارس الماضي و حتى لحظة قراءتك لهذه السطور، و لا أعتقد أنك استطعت الرد بشكل يرضي نفسك أولاً قبل أن يرد على تهكم الشامتين ممن يصرون على تكرار هذه الأقوال من آن لآخر، و كأن مصر ليست وطنهم كما هي وطننا، أو كأن المعزول قد ذهب ضحية مؤامرة المدعو "حسين" كما كان يدعي ليستدر عطفنا تجاهه و يستحضر النقمة على ما كان يسميه بالدولة العميقة، بينما الحقيقة أنه ذهب ضحية فشله بالكامل في استقراء مشاكل مصر المزمنة، و اقتراح حلول لها على المدى القصير ، في ظل انشغاله الكامل بتحقيق أهداف جماعته و تنفيذ أوامر مرشده.
 
ما أنا متيقن منه أيضاً، أن الغضب يجتاحك في كل مرة ينقطع فيها التيار الكهربي لتضطر لصعود مئات الدرجات من سلم بيتك و أنت في قمة الإنهاك في نهاية يوم عملك، أو كلما تذهب أموالك أدراج الرياح حين تفسد بضاعتك الموجودة بثلاجات متجرك، أو كلما يقتلك القلق على ابنتك التي خرجت للشارع ليكتنفها الظلام الحالك فلا تجد سوى أضواء السيارات المارة لتستطيع تبين خطواتها.
 
ما زاد الطين بلة، أن حكومة السيد محلب تخرج علينا كل حين و آخر في شخص سيادته، أو ممثلة في أحد وزراءه ، لتخبرك ما تريد أن تسمعه من أن الأزمة وشيكة الحل، و ليؤكد لك سيدي المواطن أنه و إن انقطع نور الكهرباء عن المحروسة، فستظل أنت "نور عين" الحكومة !!
 
و دعني لا أخفي قناعتي بأن كل مبررات حكومة السيد محلب ما هي إلا صورة حية لمقولة "شايفه و بيستعماني"، فرئيس الحكومة خرج علينا في إحدى الفضائيات في مارس الماضي ليعلن أن أزمة الكهرباء مستعصية و تتطلب ما يزيد على ثلاثة أعوام للتغلب عليها، ليعلن لاحقاً في مايو، حين انقطع التيار عن معظم أرجاء الجمهورية، أن الأمر لا يتعدى وجود عجز تجاوز 1200 ميجاوات نتيجة نقص إمدادات الوقود و هو ما ادعى العمل على تعويضه بسهولة في الشهور التالية، ليعود مرةً اخرى في رمضان ليعلن أنه سيوفر الأحمال اللازمة لضمان عدم انقطاع التيار في الشهر الكريم، ليفاجأ الجميع بعد رمضان أننا في طريقنا و بسرعة للحاق بقطار العصور الوسطى حين احتلت "لمبة الجاز" رأس قائمة الضروريات في كل بيت، و ها هو أخيراً يعلن منذ أيام أن سبب الأزمة هو عدة أعمال إرهابية استهدفت أبراج الضغط العالي هنا و هناك، و كأننا مجموعة من السذج الذين كتب عليهم شراء ما تريد الحكومات المتتابعة أن تبيعه من أوهام لمواراة فشلها في التوصل لحلول مؤقتة مقبولة  للأزمة لحين التوصل لحلول جذرية و فعالة لها على يد الحكومة المنتخبة القادمة.
 
و لكي يمكنك  عزيزي القارئ فهم حجم المشكلة، فدعني أطلب منك أن تمنحني تركيزك الكامل في الدقائق التالية حتى أستطيع منحك صورة مبسطة للشبكة القومية للطاقة  و مقدار ما تنتجه من الكهرباء، و حجم الأحمال التي تشكلها الاستخدامات المختلفة المنزلية، و الصناعية، و الخدمية، و غيرها.
فمصر تمتلك ما يقرب من 40 محطة لتوليد الكهرباء، من المفترض ان تنتج تقريباً 27 ألف ميجاوات من القدرة الكهربية، و تنقسم هذه المحطات إلى نوعين:
 
1-    المحطات المائية  التي  تولد الكهرباء من توربينات السدود على نهر النيل و تمثل 20% من إجمالي الطاقة المتولدة.
2-    المحطات الحرارية التي تولد الكهرباء باستخدام الغاز الطبيعي و المشتقات البترولية و تمثل تقريباً النسبة المتبقة من إجمالي الطاقة المتولدة.
 
و تبلغ القيمة القصوى للأحمال في مصر، حسبما اشارت التقارير مؤخراً، 28 ألف ميجاوات تم تسجيلها هذا الصيف لأول مرة، و هنا يمكنك مرة أخرى أن تصيبك الدهشة، فكيف يكون الفارق 1000 بين الطاقة المنتجة و الأحمال المطلوبة هو 1000 ميجاوات فقط بينما تتحدث الحكومة الآن عن عجز يتعدى الخمسة آلاف ميجاوات؟!
 
و لكي يمكن فهم هذا التناقض، فعليك ان تعرف أن هناك دائماً ما يسبب انخفاض كفاءة توليد الطاقة عن رقم 27 الف ميجاوات المفترض هنا، و هو ما يمكن أن نوجزه في النقاط التالية:
 
1-    نقص إمدادات الغاز و الوقود للمحطات الحرارية بسبب عدم قدرة قطاع الكهرباء على توفير السيولة اللازمة لشراء الغاز و المشتقات البترولية من شركات وزارة البترول أو الشركات الأجنبية العاملة في مصر حيث ان هذه الشركات تبيع الوقود للحكومة بالأسعار العالمية و ليست المدعومة، و هو ما يكلف الموازنة العامة ما يقرب من 170 مليار جنيه، اي ما يوازي 10% من إجمالي الناتج القومي لمصر، و هو رقم كارثي بكل المقاييس.
2-    تجاوز الفترات المقررة لإجراء الصيانات الدورية للمحطات، و ذلك بسبب ضرورة تشغيل كل المحطات على مدار الساعة للاستجابة للأحمال القصوى.
3-    خروج العديد من المحطات من الخدمة بسبب أعطال ترجع لاستخدام المازوت و السولار لتعويض نقص الغاز، بينما تم تصميم هذه المحطات للعمل بالغاز فقط، و هو ما يشبه تماماً دخولك لمحطة البنزين لتجد أنه لا يوجد بنزين فئة 92  فتملأ سيارتك بالسولار بدلاً عنه.
 
و هكذا تجد عزيزي القارئ أن القدرة الإجمالية لتوليد الكهرباء من المحطات العاملة بسبب انخفاض الكفاءة لن تتجاوز 22 ألف ميجاوات في أحسن الأحوال، ليصبح العجز مقارنة بالأحمال التي تقترب من 28 الف ميجاوات هو ستة ألاف ميجاوات تقريباً، أي ما يوازي ربع ما يتم انتاجه فعلياً، و هو ما يضطر مسئولي الشبكة القومية لقطع التيار عن المشتركين بما يعوض الفارق بين الانتاج و الأحمال المطلوبة ليتم قطع التيار عن ربع عدد المشتركين على مستوى الجمهورية ليوم كامل، أو لقطع التيار لمدة تقترب من 6 ساعات (ربع اليوم) عن الجميع يومياً.
 
لن تصيبني الدهشة هنا لو قررت العودة من جديد للمرور على هذه الأرقام لتفهم الأمر جيداً، و إذا كنت قد انتهيت من مراجعتها، فدعني أصدمك برقم آخر و هو أن الحجم المتوقع للأحمال في مصر في ظل التنمية الصناعية و الزراعية و الخدمية المستهدفة  في خطة السيسي حتى عام 2022 سيكون 50 الف ميجاوات، اي ما يقرب من ضعف ما يتم انتاجه الآن فعلياً.
 
و لو أنك أعملت بعض المنطق لتحليل هذه المعلومات و الأرقام، فبالتأكيد كذلك عزيزي القارئ أنك توصلت ببساطة للشكل العام للحلول الممكنة  و التي تتمثل في الآتي:
 
1-    توفير الأموال اللازمة لشراء الغاز من شركات البترول لتشغيل المحطات الحرارية، و هو ما بدأت الحكومة بتنفيذه عن طريق رفع الدعم عن الوقود لتوفير الإيرادات اللازمة لذلك، و هو ما كان يجب أن يحدث تدريجياً منذ سنوات، و ليس بالشكل الحاد الذي تم تطبيقه منذ اسابيع مضت.
2-    الشروع في بناء محطات جديدة لتوليد الكهرباء خلال السنوات الأربع القادمة باستخدام الطاقة الشمسية و طاقة الرياح و الطاقة النووية الآمنة لنبتعد عن الوقوع من جديد في قبضة شركات البترول العالمية، و لنوجه مشتقات البترول للقطاعات الصناعية بدلاً من اللجوء لاستخدام الفحم ذي التأثير المدمر للبيئة  و الصحة العامة.
3-     العمل على تشجيع المستثمرين المصريين و الأجانب على بناء مشاريع توليد الطاقة، و بيع الطاقة الكهربية المتولدة من محطاتهم للحكومة، و هو ما سيكون له أثر إيجابي هو توفير 100 مليار دولار تحتاجها الحكومة لبناء هذه المحطات حتى عام 2022، و في المقابل سيكون له أثر سلبي، و هو أن هؤلاء المستثمرين سيبيعون الطاقة المتولدة بالتكلفة الحقيقية للكيلو وات و هي 115 قرش تقريباً، بينما ندفع نحن الآن 74 قرشاً فقط للكيلو وات لأعلى شريحة منزلية، و هو ما يعني رفع الدعم عن الكهرباء نهائياً.
 

و هكذا يمكنك عزيزي القارئ أن تتبين الآن أن المشكلة لم تكن إطلاقاً في "حسين اللي بينزل السكينة" كما كان يدعي مرسي، و لا في الأبراج المعدودة التي تم تفجيرها منذ أسبوع فقط كما يريدك محلب أن تتوهم، و لكن المشكلة في غياب خطة فاعلة لتطوير قطاع الكهرباء كان يجب ان يتم تنفيذها منذ عقود، و يجب علينا أن نبدأ في وضع لبناتها فوراً إذا اردنا أن نرى شيئاً غير الظلام بعد مغيب شمس المحروسة.



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز