عاجل
الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
مصر مش افغانستان .. يا بتوع كتايب حلوان

مصر مش افغانستان .. يا بتوع كتايب حلوان

بقلم : إيهاب الشيمي

 



"يعني إنت قصدك إن أمريكا هي اللي سابت القاعدة تعمل عملتها في 11 سبتمبر عشان تقدر تحط رجلها في أفغانستان و العراق .. و هي اللي متحالفة مع أردوغان و بتساعد داعش و الإخوان دلوقت عشان تكمل خطة السيطرة على بترول العالم و تقسيم مصر و الدول العربية ؟ .. طيب هو دة كلام حد يصدقه يا راجل ؟!"

 
قد تتفقون مع الرجل هنا، أن هذا كلام لا يعقل، أو أنه إغراق في نظريات المؤامرة المركبة، و لكن دعوني لا أخفيكم سراً أني كنت من أولئك الذين ذهبوا بتفكيرهم  لهذا الحد اللامعقول الذي لم يجدوا له من بديل ، و هو أن من ترك القاعدة لتنفذ فعلتها هي أجهزة المخابرات الأمريكية نفسها التي تخدم مصالح الإدارة الأمريكية تحت عباءة الحزب الجمهوري.
 
لقد وجدت هذه الأجهزة أنه من الأهداف الاستراتيجية ذات الأولوية القصوى للأمن القومي الأمريكي في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي أن تقوم بإعادة نشر قواتها، التي طالما كانت في مواجهة الاتحاد السوفييتي في اوروبا الشرقية، لتكون قريبة من أماكن التهديد الحقيقي الجديدة و المتمثلة في الصين و روسيا الاتحادية. كما أن كل ذلك لا بد أن يصب في النهاية في مصلحة صقور الحزب الجمهوري من أباطرة صناعة النفط العالمية ممن وصلوا إلى سدة الحكم في البيت الأبيض ، فكان لا بد ايضاً من تأمين منابع النفط الغنية في بحر قزوين و شمال الخليج العربي و طرق نقلها للغرب في قناة السويس و شرق المتوسط، بما يحقق سيطرة الولايات المتحدة على هذه المنابع و تأمين احتياجاتها منها دون المساس باحتياطياتها الضخمة من آبار ألاسكا في الشمال و خليج المكسيك في الجنوب.
 
و لم يكن هناك من مكانين على وجه الأرض يحققان كل هذه الشروط مثل افغانستان و العراق، و لم يكن الربط بين صدام حسين و أسامة بن لادن، في انعدام كامل للمنطق حينها، سوى تأكيد على أن ما خلص إليه أصحاب هذه النظرية اللامعقولة هو تماماً ما تنفذه و بحرفية شديدة تلك الإدارة على اختلاف من تولوا مقاليدها.
 
و لم يكن هناك من سبيل للولايات المتحدة لاستكمال خطتها في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا إلا أن تقوم بتقسيمها إلى دويلات صغيرة  بالتحالف مع كيانات يمكنها الوثوق فيها في المنطقة، أو يمكنها ضمان ولاءها بإعطائها وعود بنصيب كبير من الغنائم، و هو ما أوقن أنه ما حدث مع أردوغان الساعي لإحياء مجد الامبراطورية العثمانية من جديد على حساب شعوب المنطقة، و ما أوقن أيضاً أنه حدث مع صدام حسين الذي أوحت له سفيرة الولايات المتحدة في العراق في نهاية الثمانينيات أنه لا مانع لديها من أن يقوم بمغامرة لضم الكويت لتعويض خسائره في الحرب مع إيران، و هو ما بدأت إدارة بوش الأب ،الجمهورية أيضاً،  تنفيذه بالفعل في حرب الكويت في العام 1990، و ما أكملته بعدها إدارة بوش الإبن حين عاد الجمهوريين لتولي مقاليد الأمور في بداية الألفية الثانية عقب أحداث سبتمبر.
 
و ها هي القوات الأمريكية، بالرغم من ادعاءات الانسحاب، ما زالت تنتشر في قواعد في افغانستان و العديد من الجمهوريات السوفييتية المستقلة المطلة على شواطئ بحر قزوين، على مرمى حجر من الصين و روسيا، و فوق منابع النفط الغنية. و ها هي الولايات المتحدة و حلفاءها يساندون و يدعمون تنظيمات تكفيرية متطرفة مثل "داعش" بحجة مساندة الديمقراطية و دعم الثورة في سوريا، ثم تتركها لتلتهم العراق ببطأ، وسط تواطؤ الحكومة التي نصبتها الولايات المتحدة كوكيل اعمال لها في العراق، و التي تستكمل و بنجاح خطة التقسيم إلى دويلات كردية و شيعية و سنية.
 
إن ما يحدث الآن في العراق، و ليبيا، و سوريا، و السودان، و ما بدأت بوادره تظهر في لبنان، ليس إلا بدايةً لتقسيم هذه البلدان على أساس مذهبي و عرقي و قبلي، هو ما يؤكد استمرار صقور التحالف الغربي في خطط التقسيم و التقزيم لدول المنطقة.
 
الشئ اللافت هنا هو أن الإدارة الأمريكية سعت، و باحترافية شديدة لا يمكن إغفالها، و باستغلال أحلام إحياء الخلافة العثمانية التي تراود أردوغان و صبيانه، أن يكون التطور الجيوسياسي و الحراك الشعبي في مصر ضد تغول قوى الرأسمالية ، و ديكتاتورية الحزب الواحد، و عمالة المعارضة الوهمية، هي مخلب القط الذي يستطيعون من خلاله استكمال ما بدأوه في المنطقة، و هو ما بدأوا بتنفيذه بالفعل عقب ثورة يناير بأيدي حلفاء أردوغان من جماعة الإخوان المسلمين، و بأيدي أعوانهم  من جماعات السلفية الجهادية، و فلول القاعدة، و التكفيريين الذين مهد لهم نظام الإخوان المسلمين أثناء عام حكمه الأسود الطريق لإعادة بناء قوتهم في سيناء و البدء في خطة تقسيم مصر كما فعلوا بمثيلاتها من الدول المحيطة.
 
و يبدو أن هؤلاء مازالوا مصرين على استكمال خططهم، فبالرغم من مرور عام كامل على سقوط الإخوان في مصر، إلا أنهم ما زالوا يروجون من خلال منظمات مشبوهة في الداخل، و من خلال تقارير "هيومان رايتس ووتش" و شبكات التليفزيون التابعة لهم في الخارج لفكرة الانقلاب على الشرعية و ارتكاب الجيش المصري لجرائم حرب ضد المدنيين العزل في رابعة و النهضة، متجاهلين في الوقت ذاته كل ذلك العنف، و كل ذلك الانتهاك للحريات، و كل ذلك الخرق للدستور و القانون، أثناء عهد مرسي الأسود، و ما تلاه من قتل و سفك للدماء و انتهاك للحرمات على أيدي أنصاره ضد كل المصريين على اختلاف دياناتهم و قناعاتهم السياسية عقب سقوطه في الثلاثين من يونيو 2013.
 
و لم يكن من دليل على فشل هؤلاء و خواء جعبتهم، و انفصال عملاءهم التام عن النسيج الوطني، أكبر من ذلك المشهد الهزلي لمن سموا أنفسهم "كتائب حلوان"، متحدثين فيه عن قتل الرجال و الأطفال و اغتصاب الحرائر، محاولين بذلك استنساخ صورة لما يحدث بالعراق و سوريا لتبدو و كأنها هنا في مصر، و تناسوا أن وحدة المصريين هي ما ميزتهم طوال تاريخم في اوقات الشدائد.

ما لم يضعه هؤلاء في الحسبان حين تعلق الأمر بمصر، و ما لم يفهموه، و لن يفهموه على الأرجح، هو أنه و بالرغم من كل تلك الرغبة في التغيير لدى المصريين، و كل تلك المطالبات بالقصاص، و كل تلك الاحتجاجات ضد الانتهاكات التي ارتكبت في الفترة بين سقوط مبارك و انتخاب السيسي، إلا أن يقظة المصريين البسطاء و الثوار الشرفاء لما يحاك لوطنهم، و درايتهم بالأخطار التي تهدد وحدة ترابه، و فطنتهم لأهمية الحفاظ على جيشهم الوطني صلباً قوياً موحداً، هي الحد الفاصل بين تحقيق أردوغان لمسعاه في الجلوس على كرسي خلافة تكون مصر إحدى ولاياته، و بين انهيار مخطط القوى الغربية و عملائها بالكامل في مصر.
 
لقد كانت صرخة الحرية هي كل ما سمعه الطامعون ممن أرادوا بالمصريين أو بوطنهم سوءاً، و ها هم المصريون الآن يقولونها من جديد و بصوت عال للإخوان المسلمين و لمن خلفهم في أنقرة، و لأسيادهم في واشنطن: "مصر مش افغانستان ..  يا بتوع كتايب حلوان"

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز