عاجل
الأربعاء 12 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
شريط ساتان

شريط ساتان

بقلم : د. نهلة زيدان الحوراني

كان يومها الأول فى المدرسة ... أول استيقاظ قبل رؤية شمس ... نور سماوى صغير يدخل على استحياء من النافذة ... فتحت عينيها الصغيرتين ... قلق صغير تسرب إليها ... ابتسمت حين اطمأنت أن (مريلتها) الوردية الجميلة ما زالت معلقة فى مكانها ... تحتل واجهة الدولاب ...



    جذبتها أمها برفق من الفراش ... قالت وهى تمسح وجهها بيديها بلطف :

-        صباح الورد ... ابنتى صارت كبيرة ...

-        أنا أطول من العام الماضى باثنى عشر سنتيمترًا ... قست طولى بالأمس وقد علت قامتى فوق حد القلم الجاف من العام الماضى ...

-        أنت أجمل كذلك بكثير ...

-        لن أقف فى أول الطابور كما كنت فى الحضانة ... بما أننى أطول فالقصيرات سيسبقننى ...

-        هيا نستحم ... أحضرت لك فطورًا جميلًا ... جبن الشيدر الذى تحبين مع الزيتون المحشو بقطع الجزر ...

   قفزت فرحة من الفراش ... وكأن الإفطار الجميل أثار انتعاشها ... ولكنها تسمرت أمام (المريلة) فى قلق ... فجذبتها أمها مرة أخرى برفق ...

  كانت تستحم ببطء شديد ... وبين قطرات الماء كانت تتخيل صديقات شريرات كهؤلاء الذين يظهرون فى مسلسلات الكرتون ... فقاعات من المقالب الشريرة ... ورذاذ من الوجوه القبيحة ... تذكرت فجأة (مها) رفيقة أختها الكبرى فى الصف التى ظلت طوال الترم الدراسى الأول فى حياتها تلاحقها كى تجذبها من ضفيرتها ... حتى أنها قصت شعرها ... وحوش من الفتيات البلاستيكيات لهن أنياب كرتونية ... دقت أمها على الباب :

-  رباب حبيبتى ... لماذا تصرخين ؟!

-  كنت سأنزلق ... أنا بخير يا ماما ...

   خرجت فى (برنسها) الأزرق يحاوط بضاضة سنى حياتها الست ... ارتدت المريلة ... شدت شعرها الرقيق القصير بمشبك شعر أبيض يزينه شريط من الساتان ... نظرت لنفسها فى المرآة ... ابتسمت ... أحبت تلك الفتاة المبتسمة وكأنها تخبرها أن هذه الأزياء جنية حارسة لذلك تدو جميلة ... الجنيات الطيبات فقط يبدين جميلات ...

    كان الجبن والزيتون فى حماية التوست المحمص كافيين لإلغاء طعم كوب الحليب الذى لا تحبه ... وأخيرًا سمعت صوت نفير الباص ... هرولت أمها تحمل الحقيبة فى يد وتشدها من يدها الصغيرة بالأخرى ...

    كلتاهما شعرت بألم وقلق حين تركت يد الأخرى ... لكن شريط ساتان فى شعر رباب جعلها تنسى الألم والقلق سريعًا ... كان مثار إعجاب الفتيات ... وجذب إليها (محمود) ...

    رافقها محمود طوال اليوم ... وقف إلى جوارها فى الطابور ... واختار مقعدًا مجاورًا للديسك الذى شاركتها فيه زميلة ... إذ يُمنع جلوس ولد وبنت فى ذات الديسك ... تناول معها الغداء فى (كانتين) المدرسة ... ولم يتوقفا عن الحديث والضحك فى طريق العودة ... حتى نزلت من الباص أمام بيتها ... لوح لها مودعًا مع زميلاتها ...

    استقبلتها أمها فى الشارع بحرارة الشوق ... ومن بين ذراعيها لاحظت أن محمود يتحدث مع غيرها ... فبكت فى صمت لأول مرة دون أن يكون لبكائها سبب تعرفه ... لكنها علمت أنها تحتاج للمزيد من أشرطة الساتان ...

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز