
غربة زوجية
بقلم : د. نهلة زيدان الحوراني
انتهى الزفاف ... تركاهما وحدهما ... وللمرة الأول تكتشف أن الليل له والحب لها ... ولكنها لم تكن تعلم أنهما يجب أن يتبادلا الأدوار كل ليلة حوالى مائة مرة ... حتى لا تشعر بالغربة ...
فى الصباح كانت تحدق فيه ... تحاول أن تجيب على سؤال كبير لا تعلم من أين أتى لعقل مجهد لم يحظَ من النوم إلا بساعات ثلاث نهارية بعد ليلة حافلة : (كيف حدث هذا ؟!) ... جرت روبها الأبيض الحريرى ... كان كل شئف ى الخارج منظمًا جدًا على غير الاشياء فى الداخل حيث ينام دون أدنى قلق ... بهدوء وكانه يحلم بسحابات الصيف القطنية الناعمة ...
لم تستطع أن تتبين سببا لما تشعر به ... فكل شئ على ما يُرام ... هو زوج رقيق ... عاشق جيد ... لا يمكنها أن تتذمر من أى شئ ابدًا ... تذكرت صديقتها (منار) ... أخبرتها أنها شعرت صباح زفافها بشعور غريب جعلها تنفر من كل ركن فى شقتها أسبوعًا كاملًا ... اتصلت بها ... جاء صوتها مثقلًا بالنوم ... لكنه قلق :
- خير يا بثينة ؟ هل اصابك مكروه ...
- أبدًا ... أنا فقط أردت الحديث معك ...
- فى السابعة صباحًا ؟ ... انتِ لم تفعليها أبدًا قبل ذلك فكيف تفعلين ذلك اليوم ؟
- اتذكرين ما أخبرتنى به عن صباح زفافك ؟
- آآآآآه ... هل تملكين دقيقتين ... ساعد قهوة وأعاود الاتصال بك ... أتفهمك تمامًا ... لا تقلقى ...
حاولت هى الأخرى أن تعد فنجانًا من النعناع ... لطالما قالت جدتها : (الأيم الأولى فى كل شئ ترسم حياته) ... وهى الآن تخشى جدًا من رسم غير دقيق لحياتها كلها ... مرت به مرة أخرى ... كان باب الغرفة مفتوحًا وعلى وجهه ابتسامة تشبه ملامح طفل غنت له أمه حتى نام قريرًا ...
لم تشعر بلسعة برد الصباح فى مفاصل أصابع قدميها العاريتين ... سيراميك الشرفة كان حقًا باردًا فى ضحى غرة مارس ... ولكنها لم تشعر بشئ ... أحبت أن تمارس لعبة قديمة هدأتها ... تعد أوراق الشجر التى تقع أرضًا تحت أقدام العصافير التى ترقص فوقها مغنية ... عاودت (منار) الاتصال ...
- تشعرين أنك قلقة وكان جيشًا من النمل يعبث بك ... يجرى ويعربد وأنت مشوشة تمامًا ... أتعلمين لماذا ...
- أرجوكِ أخبرينى ...
- كنت أظن الأمر له علاقة بزوجى ... بدأت أشعر أننى أسات الاختيار ... وأن المشكلة تكمنى فى غياب الهارمونى بيننا ... لم أجد أى مبرر آخر سوى هذا ... لكننى اكتشفت أننى لا اشارك فى أى شئ ... اقف متفرجة ... اصدر الأحكام على كيفية معاملتى ... فكيف يمكن أن اشعر بأننى جزء من شئ لا اشارك فيه ؟
صمتت قليلًا ثم تنهدت ... قالت (منار) :
- هل أخطئ فى وصف ما تشعرين به ؟! ... تعلمين جيدًا أنك لو طلبتِ منى أى شئ سأفعله حتى لو كان ضربة مبرحة تسيل دم رأسى كى تقضين ليلة بالمستشفى معى ...
ضحكت فاطمأنت صديقتها ... قالت :
- فعلًا هو شعور بالغربة ... الغربة عن كل شئ ...
- ولما لا تشاركين ؟
- كيف أشارك ؟ ... لا أعرف ...
- الأمر بسيط ... أنتِ الآن فى الشرفة وهو فى الغرفة ... أقصد بالمشاركة كل شئ حتى لو كان أن تطلبى منه كوب ماء بعيدًا عن يدك على طاولة الطعام فكأنه شاركك شربه ... الأمور البسيطة هى ما تصنع النجاح الكبير ... والآن عودى للنوم ...
عادت إليه ... وما إن استسلمت للنوم حتى سمعت صوته ... (صباح السعادة) ... قالت بكسل وهى تقاوم النعاس : (تعبة جدًا هلا وضعت حمصت الخبز من فضلك ؟ أنا ضبطت آلة القهوة بالأمس) ... واختفت الغربة ...