في السُقوطِ عِظاتٌ وبقدرِ الآمالِ يكونُ الغضبُ
بقلم : د. حسام محمود أحمد فهمي
السُقوطُ هو الوقوعُ من عَلٍ، والجديد؟ هو تغيرُ الحالِ من حسنٍ لسيئ، من جاهٍ وسلطانٍ لبؤسٍ وسجونٍ، من عزٍ ورفاهيةٍ لحاجةٍ وفقرٍ والعياذُ بالله. السقوطُ يكونُ لسوءِ التدبيرِ ولغدرِ الزمانِ وقانا الله غدرَه. شَهدَت دولٌ عربيةٌ سقوطَ حكامِها، لكن مصر تفوقَت، أسقَطَت إثنين منهم في ثلاثةِ أعوامٍ لتدخلَ موسوعةَ القياسياتِ. لابدَ أن تكونَ العِظةُ إذن مَظلةَ من يتصدرُ لحكمِها ومفتاحًا لفهمِ طبيعةِ شعبِها بعد أن استغفَلَه من سقَطا.
العجيبُ، أن الحاكمان الذان سَقَطا تَشابها في أهم أسبابِ السقوطِ، وهي سوءُ الاختيارِ، سواء كان اختيارُ الوجوهِ التي تمثلُ النظامِ في السلطةِ التنفيذيةِ أو في البطانةِ التي تحيطُ بالكيانِ الرئاسي، ولا أحبُ مصطلحَ مؤسسةِ الرئاسةِ، فهي لم تكنْ إلا تكيةً، أما الكيانُ ففيه الصَلِبُ وفيه الهُلامي، وقد كان هلاميًا بامتياز. أسلوبُ اختيارِ من تَصدَروا للمسؤوليةِ والكاميرات والإعلامِ عَكَسَ فكرًا خائبًا، بالتَجربةِ، مَرَتان مُرَتان.
في فترةٍ طالَت لحسني مبارك اِنمحى في سنواتٍ قليلةٍ ما قد يُعتبَرُ حسنًا، إنتقاءُ الوزراءِ والشخصياتِ العامةِ في مجلسي الشعبِ والشورى والجامعاتِ ومؤسساتِ الدولةِ غَلَبَ عليه طابعُ المعاندةِ والمكابرةِ وتأديبِ النَّاسِ، حتى يظهرُ الرئيسُ بطلًا لما يزيحُ متجبرًا عَيَنه بنفسِه على كرسيه؛ من عُيِّنوا كانوا مجردَ أدواتٍ للتجميلِ، تجميلُ سيادةِ الرئيسِ. وزارتٌ تَدخُلُ كلَ بيتٍ تولاها من حَوَلوا حياةَ المصريين لتوترٍ وقلقٍ ونقمةٍ وعكننةٍ، فكرهوا الوزراءَ والنظامَ كلَه والحاكِمَ الذي عَيَنَهم وثاروا عليه قبل أن يثوروا عليهم. رؤساءُ جامعاتٍ يُخانقون أنفسَهم، وعمداءُ كلياتٍ من الجُبِ نُصِبوا وكأن المحترمين من الكفاءاتِ اِختفوا، لقد اِختفوا فعلًا، لكن من القرفِ. إعلاميون وكتابٌ اِمتهنوا النفاقَ غَيَبوا عن الحاكمِ بأمرِه الحقيقةَ، لم يَنقِلوا له أن النظامَ الذي تُكرَه وجوهُه يَسقُطُ. أسلوبُ تأديبِ المصريين ومعاندتِهم هو عنوانُ مرحلةٍ طالَت بلا منطقٍ، فثاروا كما يوجِبُ المنطقُ.
أما في فترةٍ لم تطلْ لمرسي، فقد سادَ منطقُ القبيلةِ، قبيلتي أولًا وأخيرًا، وكأن الشعبَ غَيرُ موجودٍ، ومش فاهم؛ وجوهٌ شتامةٌ كارهةٌ صارِخةٌ زاعقةٌ، انفَتَحَ لها كلُ بابٍ، نَفَّرَت الناسَ من عيشتِها، حتى كان يومُ السادس من أكتوبر ٢٠١٢ القَشَةَ التي أسقَطَت نظامًا خًطَطَ للبقاءِ الأبدي. في هذا اليوم إحتَلَ مِنصةَ الاِحتفالِ من أفسَدوا عُرسَه وقَتلوا ودَمروا، هكذا عيني عينك، وكأن مصر بلا عقلٍ ولا وعي ولا شعبٍ؛ المصري لا ينسى أبدًا، يتذكرُ ويُخرجُ المستخبي عند الضرورةِ. كلُ أهلِ القبيلةِ من وزراءٍ ومسؤولين لم يخطرْ الرحيلُ ببالِهم، فارتكبوا ما اقترَفَه صنائعُ حسني مبارك من تجَبُرٍ وتجاهُلٍ للمشاعرِ العامةِ، بنفسِ التعامي ونفس الاستغفالِ.
الآن، الإعلامُ يَجترُ الوجوهَ القديمةَ من وزراءٍ وسياسيين، يُفرِدُ لهم الساعاتٍ، وكأنهم نَجَحَوا وأنجَزَوا؛ هل لجذبِ الإعلاناتِ؟ هل هي بالوناتُ اِختبارٍ لجَسِ نبضِ تجربةِ عودتِهم من تاني؟! هل هي وصايةٌ وكأنهم مستودعُ الحكمةِ والخبرةِ؟! تَجمعاتٌ طفيليةٌ من وجوهٍ سابقةٍ كُرِهَت ورُفِضَت تسطو على المشهدِ بتجمعاتٍ فارغةٍ مثل جبهةِ حُماةِ الثورةِ، والدبلوماسية الشعبيةِ، وتجمعُ كذا وهيئة كذا، وكُلُه باسمِ الثورةِ وفي حبِ مصر!!
لمن يحكُمُ مصر، البطانةُ قبل الطريقِ، للنِفاقِ مُحترفوه، وللوصولِ بأي طريقٍ ناسُه، طولُ بقاءِ أشخاصٍ ليس مبرِرًا لاستمرارِهم، هناك من طالَ بهم الأمدُ لعقودٍ، كلُ لجانِ المجلسِ الأعلى للجامعاتِ وشللياتِ الوزراءِ السابقين، كلُ لجانِ التربيةِ والتعليمِ، وغيرُها وغيرُها، يتغيرُ رأسُ الدولةِ مَرةً من بعد مَرةٍ وهم باقون، وزراءٌ سابقون يُخَطِطون للتعليم العالي لعام ٢٠٢٠!! ليه، وبأمارة إيه؟!! حاجة تِفقع.
نظامٌ جديدٌ، لا بدَ أن يَكسِرَ الدوائرَ المُغلقةَ التي تُسيطرُ على القرارِ وتتداولُ فيما بينَها الكراسي، حتى يبقى كل من فيها في السلطةِ والمنفعةِ. شعبُ مصر فقدَ قدرتَه على الصبرِ، أصبحَ مَلولًا غضوبًا من فرطِ ما تَحملَ وانتَظرَ، الرِهانُ على صبرِه وشدِ حزامِه يستحيلُ، لكنه فقط في كيف يُتَقى غَضَبُه،،
المصريون يَذرُفون الدمعَ في حبِ وطنِهم، لكن دموعَهم عزيزةٌ في مواجهةِ الظلمِ والتجَبُرِ والاستبدادِ،،
أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة عين شمس
ماجستير وليسانس الحقوق من جامعة عين شمس