22 مليار يورو أستثمارات لاستيعاب اللاجئين إلي ألمانيا خلال سنتين
كتب - محمد السيد درويش
وسط انقسام داخل الحكومة الألمانية والرأي العام حول مدى صحة أتجاه فتح الابواب الالمانية أمام تدفق اللاجئين أو العمل على غلقه. أجمع خبراء الاقتصاد الألمان مرة جديدة على أهمية الدافع الاقتصادي لهذا التوافد من الخارج وإلى قدرة ألمانيا على تحمل كلفته، لكنهم اشترطوا عدم التشدد في مراقبة تنفيذ قانون الحد الأدنى للأجور الذي بدأ العمل به بداية السنة الحالية، هدف خفض الرقابة تمكين اللاجئين من دخول سوق العمل بأجور متدنية بسبب عدم تأهلهم المهني.
شدد الخبراء على ضرورة الامتناع في العام المقبل عن رفع الحد الأدنى لأجر الساعة الواحدة المحدد ب 8,5 يورو بسبب عدم قدرة عدد كبير من اللاجئين على منافسة العاملين حالياً في ألمانيا من الناحية المهنية، بالتالي عدم قدرتهم على إيجاد فرصة عمل إلا في سوق الأعمال الخدماتية الخفيفة والثانوية، وبالتالي القبول بأجر أقل لساعة العمل الواحدة.
دعا الخبراء الحكومة إلى ادخال الفئة غير المؤهلة من اللاجئين إلى فئة العاطلين القدماء عن العمل في البلاد لتمكينها من الحصول على عقد عمل من أرباب العمل لمدة سنة. بعد أن حذروا الحكومة من إطالة عمليات تسجيل اللاجئين، حثوها على إعطائهم حق الاقامة والعمل بسرعة تفاديا للمزيد من الانفاق الحكومي عليهم، و تفادي عرقلة اندماجهم في العمل وفي المجتمع. ورأوا أن مساعدة اللاجئين على الانفاق على معيشتهم بأنفسهم "سيحرك الاستهلاك الداخلي بصورة أكبر ويزيد من معدلات النمو المتوقعة في البلاد". حسب تصريحات سجلتها غرفة التجارة والصناعة العربية الالمانية Ghorfa.
كشف خبراء خمسة معاهد بحوث اقتصادية ألمانية في تقريرهم السنوي الذي قدموه منتصف نوفمبر الجاري إلى المستشارة Angela Merkel عن ان حجم الانفاق الحكومي على اللاجئين في حدود 22 مليار يورو خلال السنة الحالية والقادمة، مشيرين إلى أن خزينة الدولة قادرة على تحمل هذه النفقات بفضل النمو الاقتصادي في البلاد والوضع الجيد لميزانية الدولة الخالية من ديون. ذكرت أوساط مطلعة أخيرا 850 ألف لاجئ دخل إلى ألمانيا حتي شهر أغسطس الماضي، من المتوقع ارتفاع العدد إلى مليون لاجئ حتى نهاية العام الجاري.
توقعت معاهد البحوث أن تصل مصروفات الدولة على اللاجئين إلى 8,3 مليار يورو هذه السنة، وأن ترتفع العام القادم إلى ما بين 9 و 14,3 مليار يورو. أكدوا على قدرة ألمانيا على تحمل الكلفة العالية، شددوا علي "أن اندماجاً ناجحاً للاجئين في البلد يتطلب بذل جهود كبيرة في مجالات التعليم العالي والتدريب المهني". تابع الخبراء بأن الهجرة الواسعة الحاصلة اليوم ستزيد الطلب على السكن، ما يتطلب من الهيئات والسلطات المعنية تقديم تسهيلات لجذب المستثمرين إلى الاستثمار في بناء المساكن. يقدر خبراء السكن حاجة ألمانيا إلى أكثر من 80 ألف مسكن جديد سنويا لسد حاجة السوق المتزايدة.
يرى مراقبون أن أحد الدوافع الهامة التي دفعت بالمستشارة مركل إلى استقبال القسم الأكبر من اللاجئين العمل على وقف الخلل المتزايد في الهرم السكاني الحاصل في البلاد، بالتالي وقف النقص في الأيدي العاملة، الأمر الذي ينبّه له الخبراء منذ سنين عديدة. وجدت الحكومة المسيحية الاشتراكية الحالية في مئات آلاف اللاجئين فرصة سانحة لاستيعابهم وتأهيلهم وادخالهم في سوق العمل الذي شهد في أكتوبر اقل نسبة بطالة 6 % مع ارتفاع عدد العاملين الي 43.3 مليون عامل، اعلي رقم عمالة منذ 1990.
أيدت دراسة للبنك الدولي مطالب معاهد البحوث الالمانية بهذا الخصوص ، الدراسة أجريت في دول الولايات المتحدة والدانمارك وتركيا ولبنان أخيرا ، أن عامل الهجرة واللجوء إلى دول أخرى يساهم في قيام نمو اقتصادي فيها. تعتقد المفوضية الأوروبية أيضا بحسب دراسة لها أن الاقتصاد الألماني سيستفيد من اللاجئين، وأن نموه سيرتفع سنوياً بنسبة 0,5 في المئة إضافية حتى عام 2020.
سبقت الهيئات الاقتصادية الألمانية رجال السياسية في هذه النقطة بأشواط، إذ بدأت منذ مطلع العام الجاري في الدعوة إلى فتح الباب أمام المزيد من اللاجئين. أكدت مراراً أن اللاجئين لن يشكلوا عبئا على الخزينة، وأن نفقات الدولة عليهم لن تذهب هباءً، بل ستكون نوعا من الاستثمار الحكومي في السوق الداخلية. انضمت وكالة العمل الاتحادية BA إلى اتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية الذي كان دعا بدوره قبل فترة المسؤولين إلى الاستفادة السريعة من اللاجئين المتخصصين علميا ومهنياً.
*الكاتب متخصص في الشؤن الالمانية