عاجل
الخميس 28 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

مُفتي بالقطعة ... شُهرةٌ ورزقٌ

مُفتي بالقطعة ... شُهرةٌ ورزقٌ
مُفتي بالقطعة ... شُهرةٌ ورزقٌ

بقلم : ا.د.حسام محمود أحمد فهمي



 

الوظائف في العالم العربي شحيحة ، لكي تعلو لابد أن تكون مسنودًا مَزقوقًا، إلا إذا كنت من أعضاء الفئة الجديدة، مفتي، مفتي نت مثل فيسبوك وغيره، مفتي قَعدات، مفتي فضائيات، كلُها تندرج تحت بند مفتي بالقطعة، حسب الطلب. وظيفةٌ تتواكبُ مع عصرِ المعلوماتِ والاتصالاتِ، شأنُها شأنُ مطربي الكليبات والمناسبات، شأُن الخبراءِ في كُلِه، وعلى شاكلتِهم المذيعون والمفكرون الجُدُد؛ المفتي بالقطعةِ مُكمِلٍ لهم، الفرقُ في الصنعةِ، في طبيعةِ العمل، في النكهةِ.
 
المفتي بالقطعة، ليس رجلا فقط، هناك من النساء من اجتزن الحدود، طلَعن لفوق. لا يشترط في الإفتاء شهادةٌ بعينها، كله ماشي، كثيرون تركوا وظائفهم الأصلية لما شح دخلها، غيروا جلدهم، فنانات تركن الفن وتركهن ، تحولن إلى تلك الوظيفة الجديدة، ربحها أكثر، ولو قل علمُهن، ولو كانت لغتُهن العربية تحت الصفر.
 
الشرط الأساسي في المفتي بالقطعة أن يطرح القضايا الجدلية، في الزواج والطلاق، فيما يتعلق بالمرأة علي وجه الخصوص، في المللِ والديانات الأخرى، في توظيف الأموال، باقي الأمور شعبيتها أقل، مرتبتها متأخرة. يتراوح أسلوب العرض ما بين التجهم والعبوس إلي رسم السماحةِ والدعة وطول البال، كلها أدوات المهنة. أما الزي فحسب الحاجة، هناك المفتي المودرن، الأفرنجي، وهناك أيضا المفتي ذو الزي التقليدي الأبيض واللحية الكثيفة، هادئون أو ثائرون، كلهم يلعبون حواجبهم، يشوحون بأياديهم، يهرشون جباههم، علامات الصدق والتمعن، من وجهة نظرهم وبتعليمات طالب الفتوى.
 
الفتاوي في الخمس سنوات الأخيرة تفوق في عددها ما أطلق خلال مئات السنين، الفضائيات الاستثمارية تصنعُ المفُتين، وكذلك مواقع التواصلِ على النت، تجارة في تجارة وإعلانات، فتاواهم تتناسب وطبيعة المجتمعات المتكاسلة خصوصا في إعمال العقل ، اندثرت برامج الثقافة وانزوي المفكرون، وصعد أهل الفتوى لفوووق. وراء الصراعات والجدل واللت والعجن، هم موجودون بالقوي. 
 
أغرَت الأضواء نجوم الفتاوي، زغللت عيونَهم، لعبت الشهرةُ بأدمغتِهم، أو طمعوا فيها، يبشرون الناس بالجنة في الآخرة ويستعجلونها لأنفسهم في الدنيا، يُمَنون بالحور الحسان وفي الحال يحوزون منهن ثلاثا وأربعًا وأكثر، انهمَرَ رزقُهم وفاضَ، فتاواهم علي كل لون، كُلُه بالطلب، برزقـِه.
 
التكنولوجيا أوصلت العالم المتقدم إلي المريخ، بكل الوضوح والنقاء، بعلماء يقودون للإمام، أما في المنطقة العربية، فالصراخُ والتهديدُ والوعيدُ والمنعُ، بمُفتين بالقطعة، تفصيل، يسحبون للخلف ولتحت، لقاع القاع. 
 
 
* أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة عين شمس
* ماجستير وليسانس الحقوق من جامعة عين شمس

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز