عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
شعب - لا مؤاخذة - متدين
بقلم
علي مقلد

شعب - لا مؤاخذة - متدين

بقلم : علي مقلد
 نتجرع كأس الخديعة حتى الثمالة، ومن فرط سكرتنا، وزيف نشوتنا، نهذي بمقولات فارغة لا تعبر عن واقعنا المؤلم، ولا عن حالة التردي التي سقطنا فيها من عَلٍ، ونستمر في خداع أنفسنا دون وازع من ضمير، ينجينا من توهان الزيف وسكرة الغفلة، فمتى نسترد وعينا الغائب ونستفيق من غيبوبتنا، ونواجه أنفسنا صراحة؟ ونسأل سؤلاً جوهرياً،هل نحن شعب متدين بطبعه؟ وعلينا أن نقف أمام أنفسنا متجردين من الزيف والخداع والكذب، وننظر في مرآتنا، ونقيّم أفعالنا بميزان عدل، لا تشوبه شائبة إدعاء، ونكرر السؤال عدة مرات... أظن أن الإجابة ساعتها، ستكون أننا لسنا متدينين بطبعنا، بل ندعي زورا التدين.
 
بيد أن هناك من سيرفض ذلك ويصر على تلك المقولة، وهو بذلك يساهم – من وجهة نظري- في نشر الخديعة وتحويلها إلى واقع مزيف ... صحيح أن غالبية الشعب ملتزم بالشعائر الدينية، إسلامية كانت أو مسيحية، ويكفي أن تلتفت يميناً أو يساراً لترى المساجد والكنائس في كل شارع وحارة، والزوايا تملأ جنبات المؤسسات الحكومية، والموظفون مشغولون طول الوقت بالصلاة والتسابيح، والخوض في سير الناس وتقبل الرشاوي والوساطة، دون أن يجدوا حرجاً في ذلك- إلا من رحم ربي.
 
كذلك يتحول رمضان من شهر للعبادة إلى شهر للكسل وتعطيل مصالح البشر، وفرصة للإسراف والبذخ بشكل متناقض تماماً مع الهدف الأسمى من الصيام. خلاصة القول، تحولت العبادات إلى روتين يومي أو موسمي، فالزكاة نشاط اجتماعي، والحج العمرة سياحة وشهرة، وغاب عن الكثيرين المقاصد العليا للأديان التي يفترض فيها أنها جاءت لتقويم سلوكيات البشر.
 
بعيداً عن الشعارات الزائفة، أين التدين في الشارع المصري، الذي بات مثل غابة في مجاهل التاريخ، تقف الموبقات على جوانبه بدون رادع، فالتحرش بالنساء في كل مكان، في الموصلات، وفي المدارس، وفي أروقة المؤسسات الخاصة والحكومية، وبات على الأنثى أن تسير خائفة مرعوبة كلما اقتربت من أي تجمع بشري، وصارت الرشوة شيئاً مقنناً وعادياً، واتخذت مسميات مطاطة حتى لا يجرح الراشي - المتدين بطبعه-، المرتشى المتدين بطبعه أيضا، ناهيك عن السرقات وعمليات النصب وشهادات الزور، وعدم إتقان العمل، وإيذاء الناس بالقول والفعل .... والقائمة متخمة بالجرائم الأخلاقية التي تطالعنا بها وسائل الإعلام كل لحظة، أو نراها بأعيننا، ثم نصر على أننا شعب متدين بطبعه.
 
 تلك المقولة روج لها، تيار الفاشية الدينية لاستلاب عقول الناس وتغييبهم عن الحقيقة، فأبناء هذا التيار الديني لا يهمهم نشر الدين أو إصلاح سلوكيات البشر، بقدر ما يهمهم الاستيلاء على هوية المجتمع بشعارات زائفة، كما أنهم فاقدون لكل فضيلة، وفاقد الشيء لا يعطيه، وقد رأينا من جرائمهم الأخلاقية في فترة وصولهم للسلطة ما لا يخطر على قلب بشر.
 
الأزمة الكبرى، أن البعض أو ربما الغالبية، لديهم يقين بأننا شعب متدين، لذلك ينتفضون ويسارعون إلى أكثر المواقف تشدداً وتطرفاً ليثبتوا لأنفسهم وللآخرين، أنهم متدينون، وقد رأينا ما حدث خلال الأيام الماضية، كيف تعاطى الشارع مع بعض القضايا، مثل قضية الباحث في العلوم الإسلامية إسلام بحيري، فقد هب الشارع ضده، واتهموه بأبشع التهم، رغم أنه حاول إثبات أن الإسلام برئ من التطرف والإرهاب، وأن الأحاديث التي تحمل في طياتها عنفاً وإرهاباً مكذوبة على النبي عليه الصلاة والسلام.
 
ربما لا تعجب أفكار إسلام أو طريقته أو أطروحته البعض، لكنه اجتهد، والمجتهد عند أهل العلم له أجران إن أصاب، وله أجر عند الخطأ، لكن المجتمع المتدين بطبعه، لم يقبل أن يناقشه أحد في مسلماته. نفس الأمر حدث مع الكاتبة فاطمة ناعوت بسبب عبارة نشرتها على صفحتها الخاصة على "فيس بوك"، كذلك والروائي أحمد ناجي المتهم بخدش حياء المجتمع ونشر الرذيلة لمجرد نشر فصل من روايته، ومن قبلهم العشرات من المفكرين والصحفيين والمبدعين، لطمهم المجتمع ووصمهم بالكفر وأشياء أخرى، لكن المجتمع المتدين يتغاضى عن التحرش والفساد والسرقة والعشوائيات والجهل.
 
ثم جاءت قضية المستشار أحمد الزند وزير العدل المقال بسبب لغوه بلفظ رأى البعض أن فيه إساءة لـ "مقام النبوة"، وهو اعتذر عنه، لكن الشارع - الذي نسمع منه أبشع الألفاظ وسب الأديان بشكل منفر - انتفض ضد الزند، وشن هجوماً حاداً عليه في وسائل التواصل الاجتماعي وفي الصحف والفضائيات وعلى المقاهي وفي المواصلات وفي جلسات النميمة، والكل تبارى في المطالبة بإقالة الوزير ومحاكمته، والحكومة لم يكن أمامها خيار آخر فأطاحت به رضوخاً للمزاج المجتمعي سلفي الهوى .... بالطبع كل ذلك كان يُقبل بصدر رحب، لو أن المجتمع متسق مع نفسه، ويحافظ على لسانه من الهنّات، ويحفظ لسانه عن الخوض في أعراض الناس، ومضايقة البشر بالبذاءات.
 
 الزند من- وجهة نظري - يستحق الإقالة، لأنه لم يدرك رغم مكانه ومكانته وسنه ومهنته، أهمية منصبه، وخطورة المرحلة التي نحن فيها، فترك لسانه يلقي الكلام على عواهنه، دون تروي، حتى أورده المهالك، فالوزير يفترض فيه أنه رجل دولة، وهو دائما تحت المجهر، وعليه أن يتحسب لكلامه وتصريحاته وهمساته وعلاقاته، تلك ضريبة العمل العام، ومن تعرض للعمل العام، خاصة إذا كان في منصب رسمي، فعليه أن يزن كلامه بميزان الذهب، فكلمة منه قد تورط الدولة في خسارة علاقاتها مع دولة أخري، أو قد تربك المجتمع، لكن الزند الذي جاء بعد وزير أطيح به أيضا بسبب زلة لسان، لم يع الدرس، فلقي نفس مصير سلفه.
 
الزند مضى إلى حال سبيله بما له وما عليه، لكن بقي المجتمع يراوغ نفسه ويخدع نفسه بأنه متدين بطبعه، وتلك كارثة، فإنكار المرض لا يشفي العليل من علته، بل علينا أن نشخص أمراضنا ونواجه أنفسنا، ونحسن من سلوكياتنا، وساعتها نستطيع أن نتحدث عن تديننا بيقين، فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، أما ما عدا ذلك فنفاق مجتمعي بغيض.



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز