عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
ناموس الخالق .. من الحجاج إلى الزند

ناموس الخالق .. من الحجاج إلى الزند

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

استكمالا لمسلسل الهرتلة المصرية على مختلف الأصعدة سقط وبلا مقدمات نتيجة زلة لسانه التي اعتاد أن يطلقه هو والكثيرون أمثاله ممن تربطهم بالقانون علاقات عمل وحياة، في مخالفة بروتوكولية أخلاقية أو قل دينية أو شخصية تواءمت مع فوضى الثورة المتفشية بين مختلف الفئات والطبقات بلا حدود أو رابط ، فانزلق دون أن يدري في هاوية الكبر التي سقط فيها عكاشة منذ أيام قليلة وضحك هو وغيره منه كثيرا ، ولكن فاجعة هذه السقطة أنها مست الفرع الأخطر من ثلاثية الثوابت المصرية المقدسة (الدين - الأرض - العرض) وهو الثوابت الدينية في نفوس شعب متدين بفطرته وتاريخه حتى ولو كان مسيحيا أو مسلما لم يدخل مسجدا في عمره ، فأودى به لسانه الذي انزلق في موجة كبر محمومة اعتاد عليها البعض متحصنا خلف هيبة عمله ووظيفته في إطار فوضى الثورة ، ودون فوارق كثيرة ليلحق بمن بغيره ممن عبثوا بباقي الثوابت مثل من مس شرف نساء الصعيد منذ أسابيع وهو يحسبه هين فدفع ثمنه سريعا وربما يدفع ما هو أكثر .



ولسنا شامتين ولا معيرين لأحد ولا محاسبين لبشر فما خلق الله بشرا ليحاسب بشرا مثله ، ولكنه مجرد تقييم لما أحاط هذه الحوادث المتتالية من تشابه ليس بالبسيط ، فبرغم اختلاف الرجال الثلاثة وأحداث وتفاوت ظروف السقطات إلا أن كلا من هؤلاء الرجال يرى في نفسه شيئا مختلفا وذاتا متميزة ومتفردة عن غيره من عامة البشر ، وكل منهم يرى أنه من حقه وحده ما لا يجوز لغيره ، وكل منهم يرى أنه وحده الذي يستطيع أن يفعل ما لا يقدر عليه غيره ، وكل منهم لديه الاستعداد لأن يتجاوز بالألفاظ والتعبيرات بلا أدني تخوف أو تحسب ، وربما جميعها صفات متواجدة في كثير منا ولكنها تصبح في غاية الخطورة على صاحبها لو اعتاد الاستمتاع بها على حساب الآخرين خاصة لو كان صاحبها مندفعا ومن السهل استثارته ودفعه للانفعال خارج نطاق سيطرته النفسية .

ولعل هذه الأحداث المتلاحقة تعلمنا دروسا غالية ، أولها أن الدولة المصرية أو لنقل أن النظام في مصر كما صرح السيسي من قبل لن يتحمل فواتير أحد ولن يحمي أخطاء أحد وليس له أتباع أو خاصة مثل سابقيه ، وثاني الدروس وأهمها أن هؤلاء الرجال لم يقرأوا التاريخ ولم يفهموا ناموس الخالق في خلقه ولا ما جبل الله عليه بعض شعوب خلقه من البشر مثل المصريين ، والتي أوجزها الحجاج بن يوسف الثقفي لطارق بن عمرو في وصيته التاريخية ، والتي بدأها بقوله (لو ولاك أمير المؤمنين مصر .. واختتمها بقوله (وإياك فيهم وثلاث .. نسائهم فلا تقربهم بسوء وإلا أكلوك كما تأكل الأسود فرائسها ، أرضهم وإلا حاربتك صخور جبالهم ، دينهم وإلا أحرقوا عليك دنياك) ، والعجيب أن الرجال الثلاثة قد وقعوا في محاذير الحجاج الثلاثة تباعا ، فتوفيق عكاشة ظن أنه موكل من الله على المصريين ومن حقه أن يتفاوض مع عدو هو يعلم أنه يسعى لاحتلال أرض سيناء وما زال محتلا لمقدسات دينية مسيحية ومسلمة ومغتصبا لأرض عربية ، وتيمور السبكي عبث بشرف نساء مصر وخاصة نساء الصعيد ، وأخيرا زلة لسان من الزند عبث بها بمقدسات دينية أودت به من كرسي الوزارة في ليلة وضحاها ، وتلك هي الخطايا الثلاث التي حذر منها الحجاج بن يوسف الثقفي منذ (1350) ألف وثلاثمائة وخمسين سنة والتي عجلت بسقوط الثلاثة دون رحمة أو هوادة .

لست أدري لماذا تذكرت هذه الوصايا وعلاقاتها بسقوط رجال مختلفة في حوادث متباينة ، ولكنه التاريخ يعيد نفسه مع اختلاف الرتوش الزمنية والمكانية ، وكأن الرجال لا تتعلم من التاريخ ولا تقرأه ، وإن قرأته لا تستوعبه ولا تفهم حكمة الله في ناموس كونه المسيطر على حركة حياة البشر عبر الزمن ، فالسبكي مثلا لم يعتبر من رئيس الوزراء الإخواني الذي دخل السجن في زلة لسان في أعراض نساء مصر منذ بضع سنوات ، وعكاشة لم يعتبر من مرسي العياط الذي أسقطه الشعب لميوله لإسرائيل وتفريطه في أرض وحقوق شعبه ، والثالث لم يعتبر من الإخوان الذين أسقطهم هذا الشعب لكبرهم وجرائمهم في حق دين هذا الشعب ، بل لم يتعلموا من دروس التاريخ على مدى العقود الثلاثة الأخيرة والتي قضاها مبارك  مستقرا على عرش مصر (رغم فساد عصره) ، لأنه فقط لم يمس مقدسات هذا الشعب من دين وأرض وعرض ، وهو ما يجبرنا أن نتوقف طويلا عند من أوتي بعضا من الحكمة وفهم ناموس الكون خاصة في طبائع الشعوب وحركة الحياة للبشر على الأرض .

وعندما تذكر هذه النوعية من الرجال لابد وأن نتوقف عند الحجاج بن يوسف الثقفي طويلا ، رغم سمعته كأشهر سفاح في العصر الأموي وتاريخ الحكم الإسلامي ، إلا أننا لا نستطيع إغفال حق الرجل وعظمته وأفضاله الأبدية على كل مسلم إلى يوم القيامة حيث يكفي أن هذا الرجل ما زال وسيظل يتلقى ثوابا عن كل من قرأ ويقرأ  للقرآن من بعده إلى يوم الدين ، فهو من أصر على إيجاد حل من اللغة ليتمكن أي قارئ من قراءة القرآن حتى ولو لم يسمعه ، وكان حازما وحاسما بل ومرعبا ومتربصا ومهددا لكل علماء اللغة في حينه ، حتى استطاع (أبو الأسود الدوءلي) وضع النقاط والتشكيل لحروف وكلمات القرآن بل وبدأ بذلك عصرا جديدا مشرقا للغة العربية وانتشارها في بقاع الأرض ، فكان أعظم إنجاز بشري خاصة في دين الله على الإطلاق ، بل إن هذا الحجاج كان شديد الذكاء وواسع الحيلة والدهاء رغم شدته واستهانته بنفوس من يخالفه ، إلا أنه كان صاحب الفضل في تثبيت قواعد الدولة الأموية وفتوحاتها ووصول الإسلام إلى شرق وشمال آسيا وحدود الصين وروسيا القيصرية ، فبعض الرجال رغم سيئاتهم التي قد تكون كبيرة وخطيرة إلا أن حسناتهم تكون أكثر عظمة وغير مسبوقة ربما لتقابل أو تمحو سيئاتهم أمام الله ، وهي أحد قواعد ناموس الله في خلقه ، فالله يمنح القدرة على الخير والشر متكافئتان لكل بشر ، والإنسان هو من يملك القدرة على الاختيار بينهما كيفما شاء وأراد ليكون حسابه عند ربه على قدر نوايا نفسه وما أجرى الله على يديه من عمل متوافق مع خبايا نفسه.

لنصل للدرس الأكبر والأهم في حياتنا كبشر على الأرض (فاعتبروا يا أولي الأبصار) وهو أمر ودعوة من الله تعالى لأصحاب البصيرة من عباده وخلقه أن يعتبروا ولا يصروا على تكرار أخطاء وشهوات النفوس مثل غيرهم ، والتي كانت دوما سببا في سقوطنا مهما ارتفعنا ، بل ونخسر بها نعم الله علينا مادية أو أدبية  {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الأنفال53 ، وما أشد حاجتنا اليوم لنعتبر من تاريخ الرجال والبشرية خاصة وأن بلادنا اليوم في أمس الحاجة لرجال أشداء ومخلصين وأذكياء ويقدرون قيمة العلم والحكمة في التعامل مع الأحداث والبشر ، ولا يكفينا أن نحمد الله ونشكره باللسان والقلوب على إنقاذه مصر مما ابتلى به أمما وشعوبا غيرنا ، بل إن حق الشكر والحمد لله علينا يستوجب الكثير من الجد والاجتهاد بالعلم والعمل والكد والكدح وضبط النفس ومحاسبتها وتقويم السلوك والأخلاق خوفا وأدبا مع الله وابتغاء وأملا في كرم الله وفضله ، فلن يصلح الله أحوال عباده وهم متواكلين وكسالى ومفرطين في أخلاقهم وبلادهم وقلوبهم شتى ، ولا ننسى .. (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }الرعد11 .

وأخيرا ..{ صدق الحجاج بن يوسف الثقفي حين قال عن المصريين في وصيته لطارق بن عمرو .. لو ولاك أمير المؤمنين أميراً على مصر فعليك بالعدل .. فهم قتلة الظلمة وهادمي الأمم  ، وما أتى عليهم قادم بخير إلا إلتقموه كما تلتقم الأم رضيعها وما أتى عليهم قادم بشر إلا أكلوه كما تأكل النار أجياف الحطب ، وهم أهل قوة وصبر و جلدة و تحمل فإنتصر بهم فهم خير أجناد الأرض ، و لايغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم ، فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج على رأسه ، وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه ، فاتقي غضبهم ولا تشعل ناراً لا يطفئها إلا خالقهم ، وإياك فيهم وثلاث ، نسائهم فلا تقربهم بسوء وإلا أكلوك كما تأكل الأسود فرائسها ، أرضهم وإلا حاربتك صخور جبالهم ، دينهم وإلا أحرقوا عليك دنياك ، وهم صخرة في جبل كبرياء الله تتحطم عليها أحلام أعدائهم وأعداء الله .

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز