عاجل
السبت 11 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
أمي.. كبيرة الصعيد التي قهرت الموت

أمي.. كبيرة الصعيد التي قهرت الموت

بقلم : عبدالجواد أبوكب

قبل عامين زارتني (أمي) كبيرة الصعيد فجأة وكانت تعاني من دور برد خفيف، أو هكذا جعلتنا نعتقد، وطلبت أن تذهب لرؤية أولادي عمر وملك، وقد كان ..حيث أخذتها من مسكني القريب من روزاليوسف حيث أعمل إلي أكتوبر حيث يقيم أولادي مع جدتهما منذ وفاة والدتهما رحمها الله، وفي اليوم التالي كان الهاتف الكارثي"أمك بتموت وقاطعة النفس"، ولأن الوقت ليس في صالحي إتصلت بصديق يسكن هناك لينقلها للمستشفي، وعندما وصلت تبينت التفاصيل وعرفت أنها ظلت تعاني من نزلة شعبية  حادة ورفضت إخبار أحد حتي لا تفسد عليهم عيد الأضحي وقتها ولقناعتها أن "الكبيرة" يجب أن تتحمل المرض ولا تبوح به، وعندما  شعرت أنها ستموت حضرت للقاهرة وهى فى أشد حالات المرض، وعندما عاتبتها فى غرفة العناية المركزة بمستشفى عين شمس قالت لى «أنا جيت أسبق الموت علشان أشوف ولادك عمر وملك وبعدها مفيش مشكلة احنا الموت ميخوفناش».



 

ولأنها لا تخاف الموت حققت إنتصارها الأول عليه ومرت الأزمة التي إكتشفنا خلالها إصابتها بحساسية الصدر وضعف القلب ، وعادت بهما  إضافة للروماتويد الذي تعاني منه أصلا إلي الصعيد...، وقبل أربعة أشهر من الآن كان الهاتف الكارثي الأسوأ ولكن من الصعيد هذه المرة وبنفس الجملة، وعندما وصلت القاهرة كانت بالفعل في الرمق الأخير ولم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن تصل أسيوط وليس القاهرة، علي قيد الحياة.

 

ومن القطار إلي مستشفي إمبابة المتخصص في أمراض الصدر والحساسية، كان الوقت أشبه بسلحفاة تسير علي شوك، وكان صوت أنينها لا يوحي بخير أبدا...، وفي غرفة الطواريء ظلت 4 ساعات في جلسات تنفس متتالية ليصل بعض الأوكسجين إلي وجهها الذي بدا كقطعة من الليل بسبب نقصه، ومن الطواريء  إلي العناية المركزة مع عشرات التحاليل والأشعة، وعندما استردت بعض عافيتها كان كل همها أن أعود لجولاتي الانتخابية  التي أوقفتها- حيث كانت تجري وقتها إنتخابات نقابة الصحفيين وكنت أحد مرشحيها- ، ولم تفلح محاولاتها في أن أتركها.

 

وفي يوم الانتخابات أخبرني طبيبها المعالج أنه يشك في إصابتها بالسرطان بسبب ورم موجود بالرئة، وهنا أيقنت أن الأمر تأزم وكان الزملاء يعتقدون أنني أفكر في الانتخابات، لكن العقل كان مهموما بما هو أكبر وأجل، ومن النقابة إلي المستشفي مباشرة، وكان القرار ألا نخبرها خاصة أنها كانت قد بدأت تتذمر من كثر الأدوية والتحاليل، وقبل أن أصل إكتشفت المفاجأة وهي أنها قررت قهر الموت وترك المستشفي والذهاب للمنزل.

 

وفجر اليوم الثاني في المنزل  استيقظنا علي  أناتها بسبب أزمة  صدرية حادة  وكنت ما بين الخوف من انتظار الاسعاف وخطورة حملها بطريقة خاطئة، ومن المنزل لمستشفي المنيرة  خرجت "الكبيرة" لأول مرةعن شعورها وتذمرت واحتدت علي شقيقتها التي ترافقها في كل رحلة مرض، وعبر ساعتين ولا أسوأ تدخلت خلالهما بمشورة طبية باعتباري مريض بحساسية الصدر تم إنقاذ الموقف وإعطائها حقنة للأزمة، لكن بقائها كان يعني النهاية.

 

وبعد عشرات الاتصالات بالوزارات المعنية والاسعاف والزملاء لانقاذ ما يمكن انقاذه للتحرك بعيدا عن روتين أسوأ من المرض نفسه، تحركت سيارة الاسعاف- وكانت الأفضل بمراحل في المنظومة الطبية- نحو مستشفي عين شمس التخصصي، وكانت أمي تردد الشهادتين وتعتذر لخالتي التي لا تحتاج أصلا لاعتذار " سامحوني ..سامحوني" وبعد موجة جديدة من الأشعة والتحاليل دخلت غرفتها وخرجت بعد أيام لتقضي فترة نقاهة بالسويس، منتصرة علي الموت للمرة الثالثة.

 

وسافرت لأمريكا ومنها للامارات وعدت ليخبروني أن "الكبيرة" دخلت ثلاث مرات إلي المستشفي منها العسكري والخاص وأجبرتهم علي عدم اخباري حتي لا أنشغل وأنا مسافر، وتعافت "الكبيرة" قاهرة الموت للمرة الرابعة  وعادت إلي سوهاج  حيث المكان الأكثر راحة لها.

لكنها حملت معها حقيقة مرضها التي تمثلت في روماتويد وضغط وحساسية صدر وقلب يعمل بطاقة 35% ورغم ذلك قررت تجاوز الأمر حتي عندما هاتفتني قبل أيام  لتخبرني بأمر خطاب وصلها من وزارة الصحة ليخبرها أنها تحمل فيروس (سي) وأنهم ينتظرونها  للعلاج فحزمت حقائبها وجملة الأشعة والتحاليل وحضرت علي الفور إلي القاهرة لكنها كانت أفضل صحيا، لأكتشف – كالعادة- أن العلاج لم يكن الهدف ولكنها قدمت لرؤية أولادي.

 

وهكذا تستمر هي - أطال الله عمرها- في قهر الموت والانتصار عليه، ونستمر نحن في إعتبارها رمزا للقوة والشموخ والتضحية ونكران الذات،  لأنها الشجرة الطيبة التي تظل كل من يدنو منها وتمنحه بركة دعائها،.. و لأنها "الكبيرة".

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز