عاجل
الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
يرحلون و.... لكن

يرحلون و.... لكن

بقلم : غادة نوارة

 



  يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه " إن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، وإن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل " "فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" ... هكذا هي الحياة اليوم نُولد وغداً نرحل يرحل البشر ولكن تبقى أعمالهم وأخلاقهم .....

يرحلون بأجسادهم ويبقى تأثيرهم وتبقى بصماتهم في الحياة نبراساً لمن خلفهم، يرحلون وتبقى محبتهم ومكانتهم في القلوب بفضل أخلاقهم الطيبة وشخصياتهم المتميزة وبسبب حبهم لعملهم وإتقانهم له وعطائهم لمجتمعهم، وتظل ذكراهم الطيبة عالقة بالقلوب وسيرتهم العطرة يتحاكى عنها الناس على مر الزمان.

وعلى المستوى الشخصي فهناك الكثير من أساتذتي الأفاضل الذين لازلت أتذكرهم بكل الخير وأدعو لهم بقدر كل حرف تعلمته منهم ... أساتذتي في مراحل التعليم قبل الجامعي ثم مرحلة التعليم الجامعي وما بعدها .. دكتور عواطف عبد الرحمن وكثيرون آخرون أعطاهم الله الصحة .. وأستاذتي الراحلة دكتور جيهان رشتي ودكتور فاروق أبو زيد رحمهما الله وآخرون كثيرون لا يتسع المجال لذكرهم جميعاً .. ودكتور فاروق من هؤلاء الذين تركوا بصماتهم ليس فقط على المستوى الإنساني ولكن أيضاً في مجال العمل الصحفي والأكاديمي .. فهو قامة وقيمة فلا أحد تخرج في كلية الإعلام ولا يعرف هذا الأستاذ الجليل وتعلم على يديه.

تخرج د / فاروق في كلية الآداب قسم الصحافة عام 63 وكان من أوائل دفعته، (وذلك قبل أن يتم تأسيس كلية للإعلام والتي كانت عبارة عن الدور الأخير في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ثم بعد ذلك تم إنشاء مبنى منفصل لكلية الإعلام) وحصل على الدكتوراه عام 1975 والتي خصص فيها فصلاً كاملاً عن حقوق المرأة وحريتها في تاريخ الصحافة. وكان في قاعة المحاضرات إذا تحدث انتبه له كل الطلبة وأنصتوا .. أتذكر أول محاضرة لنا في مادة فن كتابة الخبر الصحفي في السنة الثالثة ... وبعد انتهائه من شرح طرق كتابة الخبر ..

الهرم المقلوب والمدرج والمعدول ... نظر إلي وقال تعالي اشرحي لزملائك ما قلته .. فقمت وصعدت على منصة القاعة وأنا مبتسمة ويبدو علي التوتر فشجعني فقلت كل ما قاله أو ما استطعت تذكره. وكان دكتور فاروق صحفياً متميزاً يمتلك قلماً حراً ... يُعارض معارضة موضوعية ولا تضر بالوطن .. وكما كان في وقت من الأوقات مديراً لتحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون فقد شغل منصب عميداً لكلية الإعلام جامعة القاهرة ونائب رئيس جامعة مصر الدولية، بالإضافة لتولي سيادته رئاسة بعض اللجان في المجلس القومي للمرأة والمجالس القومية المتخصصة والمجلس الأعلى للصحافة. وكان صاحب شخصية قوية ومتمكن في المواد التي يُدرسها .. والتي مازلت أتذكرها جيداً .. مدخل إلى علم الصحافة .. فن الكتابة الصحفية .. وفن كتابة الخبر الصحفي ...

كم قال مراراً وتكراراً .. ضرورة تحري الدقة والموضوعية وأهمية البحث عن الحقيقة، والتأكد من صحة الخبر قبل نشره وأن الانتظار لنشر الحقيقة أهم من تحقيق أي سبق صحفي. وشتان بين ما قاله أساتذتي وما علموه لنا وللأجيال المختلفة وما نعانيه من فوضى وانفلات وهرتله إعلامية ... فما نعيشه منذ سنوات لا يندرج تحت مفهوم الإعلام بأي حال من الأحوال، فقد ضرب الإعلاميين بكل المعايير المهنية والأخلاقية عرض الحائط .. وتحولت وسائل الإعلام من وسائل بناء وتنمية وتوعية مجتمعية إلى وسائل هدم وتدمير المجتمع، حيث أصبحت بعض البرامج أشبه بمعارك حربية والبعض الآخر تعتبر من النفايات السامة وتحول قادة الرأي إلى زعماء فتن وردح وتحريض وبث السموم والشائعات ونشر الفضائح والشذوذ الفكري. رأيت دكتور فاروق مرة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات ونصف في نادي الجزيرة، ورأيت ابتسامته التي لم تكن تفارقه .. وكان شكله كما هو كأن الزمن لم يمر عليه ..

فقمت مسرعة وأخذت إبني الأكبر معي وكان وقتها في السنة الثانية في الجامعة وذهبت لأسلم عليه وأذكره بنفسي وأعرفه على إبني فسلم علينا ورحب بنا وتعجب من مرور السنوات مسرعة. ولأن أساتذتي كان لهم أثراً عظيماً في النفوس ومازالت مكانتهم في القلوب وأستاذي الجليل دكتور فاروق أبو زيد كان واحداً من هؤلاء فقد شرفت أن كتبت عنه وأساتذة آخرين في كتابي الذي كتبته ونشرته العام الماضي. وعمله لن ينقطع بإذن الله فقد علم الأجيال المختلفة ومازالت مؤلفاته التي تناهز ال 25 مؤلفاً تنتفع بها هذه الأجيال .. وجيلنا من الذين يوقرون ويحترمون مُعلميهم تقديراً لهم ولدورهم في حياتنا ولمنزلتهم في قلوبنا .. وصدق أحمد شوقي عندما قال .. قم للمعلم وفه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولا .. أعلمت أشرف من الذي يبني ويُنشئ أنفُساً وعقولاً .. ولذلك فأقل ما يستحقه هذا العالم الفاضل أن أخصص له هذا المقال لرثائه .. رحم الله أستاذنا الجليل وأسكنه وكل أساتذتنا الأجلاء الذين رحلوا من قبل جنات النعيم

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز